توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى يوم 5 يناير نسألكم الدعاء له بالرحمه والمغفرة

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

الجزء الخامس - الله .. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر/ أ . د محمد هاشم عبد البارى

بسم الله الرحمن الرحيم

الله.. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر

الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى

 25 ديسمبر 2012م

الجزء الخامس

 

"ياشعب الفرنجة، ياشعب الله المحبوب المختار، لقد جاءت من تخوم فلسطين، ومن مدينة القسطنطينية أنباء محزنة تعلن أنّ جنسا لعينا أبعد مايكون عن الله قد طغي وبغي في تلك البلاد.  بلاد المسيحيين في الشرق، وقلب موائد القرابين المقدسة، ونهب الكنائس وخربها وأحرقها، وساقوا بعض الأسري الي بلادهم، وقتلوا بعضهم الآخر بعد أن عذبوهم أشنع تعذيب، ودنسوا الأماكن المقدسة برجسهم، وقطّعوا أوصال الامبراطورية البيزنطية،  وانتزعوا منها أقاليم بلغ من سعتها أنّ المسافر فيها لايستطيع اجتيازها في شهرين كاملين.  علي من اذن تقع تبعة الانتقام لهذه المظالم؟  واستعادة تلك الاصقاع اذا لم تقع عليكم أنتم؟  أنتم يامن حباكم الله أكثر من أي قوم آخرين بالمجد في القتال، وبالبسالة العظيمة وبالقدرة علي اذلال رؤوس من يقفون في وجوهكم؟  ألا فليكن من أعمال أسلافكم مايقوي قلوبكم، أمجاد شارلمان وعظمته، وأمجاد غيره من ملوككم وعظمتهم،  فليثر همتكم ضريح المسيح المقدس ربنا ومنقذنا،  الضريح الذي تملكته الآن أمم نجسة، وغيره من الأماكن المقدسة التي لوثت ودنست. لاتدعوا شيئا يقعد بكم من أملاككم أو من شؤون أسركم.  ذلك بأن هذه الأرض التي تسكنونها الآن والتي تحيط بها من جميع جوانبها البحار وتلك الجبال،  ضيقة لاتتسع لسكانها الكثير، تكاد تعجز أن تجود بمن يكفيكم من الطعام، ومن أجل هذا يذبح بعضكم بعضا، وتتحاربون ويهلك الكثير منكم في الحروب الداخلية.  طهروا قلوبكم اذن من أدران الحقد،  واقضوا علي مابينكم من نزاع، واتخذوا طريقكم الي الضريح المقدس.  وانتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث وتملّكوها أنتم.  انّ أورشليم أرض لا نظير لها في ثمارها.  هي فردوس المباهج. انّ المدينة العظمي القائمة في وسط العالم تستغيث بكم أنْ هبّوا لانقاذها. فقوموا بهذه الرحلة راغبين متحمسين تتخلصوا من ذنوبكم. وثقوا بأنكم ستنالون من أجل ذلك مجدا لا يفني في ملكوت السماوات"

 

 

كانت تلك هى الكلمات التي القاها أوربان الثاني بابا الفاتيكان  (أوربانوس الثاني 1042 - 29 يوليو 1099- ولد باسم أوتو اللاجيري، كان البابا من عام 1088 إلى 29 يوليو 1099) فى مؤتمر كليرمونت بفرنسا عام 1095  وهو واحد من أهم المؤتمرات في التاريخ والذى أقيم لمدة 10 أيام حضره أكثر من ثلاثمائة من رجال الكنيسة ,كما حضره أمراء من مختلف أوربا , ومندوبون عن الامبراطور البيزنطي والتي كانت تمثل الكنيسة الشرقية, وممثلون عن المدن الايطالية وأكثر من 300 ألف من مختلف الطبقات والرعاع.  كان لخطابه أكبر الأثر في نفوس المسيحيين المجتمعين.  فبعد أن أنهي خطابه مباشرة صاح المجتمعون صيحة رجل واحد قائلين: هكذا أراد الله!!!

وهكذا أشعل البابا الصليبى أوربان الثانى بأكاذيبه وتحريضه واغراؤه لرعاع أوروبا بثمار أورشليم وفردوسها وتملّك أراضيها أول حلقة (1095–1099) فى سلسلة الحروب الصليبية التسع.

 وهكذا احتلت فلسطين واحتل بيت المقدس بجحافل الصليبيين.

 

 ولقد استخدم الرئيس الأمريكى جورج جورج بوش عبارة "حملة صليبية" (Crusade) في يوم 11 سبتمبر، 2001 وفي يوم الرثاء الوطني، حيث قال الرئيس الأمريكي:  "هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب ستأخذ بعض الوقت".  ولذلك فان الحرب على الارهاب المزعوم بالغزو الأمريكى للدولة المسلمة أفغانستان (بدأت فى 7 أكتوبر 2001 الى يومنا هذا) والدولة المسلمة العراق (بدأت فى 20 مارس 2003 الى يومنا هذا) تعتبر تاريخيا هى الحلقة العاشرة فى سلسلة الحروب الصليبية التى قدح شرارتها البابا أوربان الثانى منذ أكثر من تسعة قرون ميلادية.

 

 

الصليبى الملعون أوربان الثانى بابا الفاتيكان الذى أشعل الحروب الصليبية.

 

 

 

 

معركة حطين

لقد كانت معركة حطين معركة فاصلة بين الصليبيين (63 ألف مقاتل) وقوات صلاح الدين الاسلامية (12 ألف مقاتل).  وقعت المعركة يوم السبت 25 ربيع الثاني من عام 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 م.  دارت رحاها بالقرب من قرية "المجاودة"  بين "الناصرة" و"طبرية".  انتصر فيها المسلمون.  أسفرت المعركة عن سقوط "مملكة القدس" الصليبية وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.

كانت الحملة الصليبية الأولى عام 1095م.  استولى فيها الصليبيون على بيت المقدس عام 1099م مع عدد من المدن فى آسيا الصغرى وساحل الشام فى الدولة الاسلامية.  منها "طرطوس"، و"معرة النعمان"، و"الرّها"، و"طرابلس"، و"بيروت"، و"صيدا"، و"عكا"، و"يافا".  أسس الصليبيون "مملكة بيت المقدس" وامارة "أنطاكيا" و"كونتيّة طرابلس".

كانت الحرب الصليبية الأولى عندما كانت الدولة العباسية السنيّة تحكم فى بغداد والدولة الفاطمية الشيعية تحكم فى مصر.  حاول الفاطميون التصدى للصليبيين فى معارك كبيرة مثل "معركة عسقلان" عام 1099م، و"معركة القدس" عام 1115م، و"معركة يافا" عام 1115م دون جدوى.  أصبحت "مملكة القدس" الصليبية قائمة فى أرض الاسلام (كما أن الكيان الصهيونى قائم اليوم فى أرض الاسلام) حتى ظهور "نور الدين ابن زنكى" حاكم دمشق.  بدأ ابن زنكى يهاجم المدن الصليبية.  كانت قدراته محدودة بدون تدخل مصر أقوى دولة فى المنطقة العربية.  كانت مصر يحكمها سلطان طفل هو "العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله" (ولد حسب رواية المقريزي يوم الثلاثاء لعشر من المحرّم سنة 546 هجرية، بويع لثلاث عشرة من رجب سنة 555 هجرية، كان عمره يومئذ تسع سنين، توفي عام 567 هـ عن واحد وعشرون عاما).  كان آخر ملوك الدولة الفاطمية.  عيّن الملك "العاضد لدين الله" ابن أخيه "صلاح الدين يوسف" الملقب "بالناصر" وزيرا.  أمره بدعم الخليفة العباسى فى الديار المصرية بالخطاب له فى المساجد فى مصر بدلا من الخليفة الفاطمى عام 1171م (حصافة سلطان مصرى غلام).  يحرّم الغوغاء فى مصر الآن الكلام فى السياسة فى المساجد.  جرّدوا المساجد من دورها كما جردت العلمانية الكنائس من دورها فى أوروبا.  ومع ذلك فكنائس الشرق والغرب لا تزال هى المحرك فى العدوان على الأراضى الاسلامية حتى الآن.  يرددون كالببغاوات مقولة "لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين".  يقولها حملة الدكتوراه ويقولها البلطجية المأجورين.  يقولها رؤساء أغلب الأحزاب ويرددها أتباعهم من المتخرجين فى الجامعات ومن تجار المخدرات.  انّ العلمانيين والليبراليين وغيرهم من المناهضين للشريعة والدين والمحادّين لله ورسوله يجاهدون لاقصاء الدين عن حياة المسلمين ويستغفلونهم، ويتغافلون هم عن حقيقة أنّ من أشعل الحروب الصليبية وحرّض عليها كان بابا المسيحيين فى روما.

ويردد شيوخنا الرسميون كالبلهاء تلك المقولة الفاسدة الخبيثة وهم يعلمون أنّ الاسلام هو منهج حياة، وأنّ المسجد هو صاحب الدور الأعظم فى حياة المسلمين فى ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.  سيعود للمسجد دوره باذن الله شاءوا أم أبوْا، ولن ينصلح حال المسلمين الا بذلك.  خطبت المساجد فى مصر للخليفة العباسى السنىّ "المستضىء بأمر الله" فى بغداد وهو أبو محمد "المستضئ بأمر الله" الحسن بن يوسف المستنجد بالله  (ولد سنة 536هـ - 1142 – 1180م - حكم في بغداد بين عامي 1170 و 1180م بعد أبيه "المستنجد بالله". أمه أرمينية اسمها "غضّة".  توفي في 30 مارس، 1180م.  خلفه ابنه "الناصر لدين الله".  بويع للأخير بالخلافة يوم موت أبيه.  قال ابن الجوزي: "فنادى برفع المكوس (الضرائب)، وردّ المظالم، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا، وفاء مالا عظيماً على الهاشميين والعلويين والعلماء والمدارس والربط، وكان دائم البذل للمال وليس له عنده وقع، ذا حلم وأناة ورأفة").  لم تكن المساجد تغلق فور كل صلاة ولم تكن مراقبة من أمن الدولة ولم يكن أئمتها ومؤذنوها وخدامها يكتبون التقارير عن شباب المصلين ولا المعتكفين ولم يكونوا عملاء لأمن الدولة.  أسقطت خطب مساجد مصر اسم الخليفة الفاطمى الشيعى"العاضد لدين الله" تبعا لأوامره هو!!! والذى كان مريضا وتوفى.  لم يكن فى مصر مرجفين من ليبراليين ولا علمانيين ولا يساريين ولا برادعيين ولا عكاشيين ولا حمزاويين يخوّفون الناس من "عبسنة مصر".  هكذا انتهت الدولة الفاطمية فى مصر ومن التاريخ.  استولى "الناصر صلاح الدين" على السلطة فى مصر ونصّب سلطانا وأسس دولته الأيوبية.  الملك "الناصر صلاح الدين الأيوبى" هو يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان أبو المظفّر -532 - 589 هـ - 1138 - 1193 م - والمشهور بلقب "صلاح الدين الأيوبي".  هو القائد العسكري الذى أسس الدولة الأيوبية التي وحّدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل الراية العباسية.  انه أعظم سلاطين الإسلام، البطل العظيم والمجاهد الكبير.  سيف الله فى القرن السادس الهجرى.  محرر بيت المقدس.  قاهر الصليبيين وموحّد المسلمين.  قائد جيوش التحرير.  تنحدر أسرته من الأكراد الزواديّة.  انهم من أشرف الأكراد.

 

خرج الملك القائد "الناصر صلاح الدين الأيوبى" بجيش اسلامى استولى على دمشق وحمص وحماة وحاصر حلب مؤيدا بدعم الخليفة العباسى فى بغداد فأصبح سلطان مصر والشام.  كانت العمليات الاجرامية التى كان يقوم بها "رينالد دى شايتون" أمير "الكرك" الصليبى قد كثرت واستفحلت بمهاجمة الحجاج والقوافل المسلمة ونهبهم وأسرهم وقتلهم منذ عام 1181 الى عام 1186م.  نذر الناصر صلاح الدين ليقتلنه أو ليأسرنّه.

كانت فلسطين في عهد المماليك جزءاً من مملكة دمشق، عدا الجزء الجنوبي حيث كان جزءاً من مصر التي كانت أيضاً تابعة للمماليك.

بدأ الصليبيون فى الاحتشاد ومعهم "صليب الصلبوت".  فتح الناصر صلاح الدين باب التطوع لحرب الصليبيين طالبا الدعم من الموصل والجزيرة والشام.  خرج بعسكره الخاص ووصل الى رأس الماء.  احتشدت قوات صلاح الدين فى "بصرى".  كان قوامها 12000 فارس وأعداد كبيرة من المتطوعين.  أخذ قيادة القلب وأعطى ابن أخيه "تقى الدين عمر" قيادة الميمنة وأعطى "مظفّر الدين كوكيرى" قيادة الميسرة.

 

عبرت قوات صلاح الدين نهر الأردن فى أول يوليو عام 1187م مارّة على "طبرية".  اقتربت من القوات الصليبية.  كان موقع معسكر الصليبيين فى "صفورية" موقعا ممتازا لتوفر الماء والمراعى لخيول الحرب.  حاصر القائد صلاح الدين "طبرية" ليضطر الصليبيون لترك موقعهم فى "صفورية" فقد كان حرّ يوليو قائظا فسيطر صلاح الدين على الماء.  قررت القيادات الصليبية تحريك جيوشها من "صفورية" فى اتجاه الشمال نحو "طبرية" التى تبعد نحو 6 أميال عن "صفورية".  ذلك بالضبط هو ما كان يهدف اليه الملك القائد العبقرى صلاح الدين.  بلغ نبأ تحريك الجيوش الصليبية صلاح الدين عن طريق مخابراته خلف خطوط العدو.  لم يكن عمر سليمان على رأس مخابراته!  قاد الناصر صلاح الدين قواته لنحو خمسة أميال عبر التلال حتى وصل الى "حطين".  كانت "حطين" قرية فيها الماء وفيها المراعى.  تحرك الجيش الصليبى من "صفورية" فجر الثالث من يوليو 1187م.  عبر التلال الجرداء يتقدمه الصليبى "ريموند" باعتباره أمير قطاع "طبرية".  كان طريقهم مقفرا بلا ماء.  عانت القوات الصليبية وخيولهم من الظمأ.  وصلت بصعوبة الى الهضبة التى تطل مباشرة على "حطين".  كان أمامهم تلّ صخرىّ ذو قمتين وكان وراء التل أرض منحدرة الى جهة قرية "حطين" والبحيرة.  قمّتى التل كانتا تسميان "قرون حطين".  كان صلاح الدين قد عسكر بقواته فى الوادى المعشب.

هنا فى هذه المنطقة كانت ساحة معركة حطين ويظهر قرنى حطين.

 

كانت ليلة القوات الصليبية غبراء غاية فى السوء.  حرّ وعطش وجفاف ورعب.  لقد ارتعبوا وزلزلوا طوال الليل من تكبير وتهليل قوات صلاح الدين المسلمة.  زاد صلاح الدين طينهم بلّه باضرام النار فى الحشائش والأعشاب والشجيرات الجافة فى التل فضاعف الدخان والهواء الساخن الذى غطى معسكر الصليبيين من معاناتهم ونكدهم فى حرّ يوليو مع عدم وجود الماء والعطش.

معركة حطين التى هزم فيها الناصر صلاح الدين الصليبيين مغتصبى فلسطين وطردهم من القدس الشريف.

حرّك صلاح الدين قواته فى جنح الليل.  فوجىء الجيش الصليبى فجر الرابع من يوليو بأنه مطوّق بالقوات الاسلامية.  بدأ صلاح الدين هجومه الكاسح مع شروق الشمس.  دارت رحى المعركة الكبرى.  قتلت أعداد كبيرة من القوات الصليبية وأسرت أعداد ضخمة.

 

حاول "ريموند" اقتحام خطوط صلاح الدين بفرسانه.  هجم بكل قوة على قوات الميمنة التى يقودها "تقى الدين عمر".  سمح له "تقى الدين عمر" وسهّل له وفتح له الطريق لادخاله فى مصيدة كبيرة.  مرّ "ريموند" بقواته من الثغرة.  أغلقها عليهم "تقى الدين عمر" فانفصلوا عن بقية الجيش الصليبى.  حاصر جيش صلاح الدين جزء من الجيش الصليبي فشطره شطرين.  لاذ "ريموند" بالفرار الى "طرابلس".  هرب بقية أمراء الصليبيين. انهارت الروح المعنوية لجنود الصليبيين بعد فرار قادتهم رغم محاولاتهم العنيفة للمقاومة.  خارت قواهم.  أحاط بهم صلاح الدين بقواته.  استولى على صليب "الصلبوت" فكانت الكارثة.  فرّوا الى التل.  تحقق النصر الكامل للناصر صلاح الدين.

  نزل الملك القائد صلاح الدين الأيوبى من على صهوة جواده.  خرّ ساجدا لله.

 صلى لله تبارك وتعالى.

 

 

صلاح الدين الأيوبي  هو القائد العسكري الذى أسس الدولة الأيوبية التي وحّدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل الراية العباسية.  انه أعظم سلاطين الإسلام، البطل العظيم والمجاهد الكبير.  سيف الله فى القرن السادس الهجرى.  محرر بيت المقدس.  قاهر الصليبيين وموحّد المسلمين.  قائد جيوش التحرير.  تنحدر أسرته من الأكراد الزواديّة.  انهم من أشرف الأكراد.

 

يصف ابن الأثير خسائر الصليبيين فى معركة "حطين" بقوله: "وكثر القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظن أنهم أسروا واحدا، ومن يرى الأسرى لا يظن أنهم قتلوا أحدا".  قتلت قوات صلاح الدين منهم ثلاثين ألفاً وأسروا ثلاثين ألفاً.  كان فيمن أسر جميع ملوكهم عدا أمير طرابلس.  فرّ هاربا.  قتل صلاح الدين "رينالد دى شايتون" أمير "الكرك" بيده برّا بيمينه  لغدره وإيذائه المسلمين.  لم يسمع بمثل هذا اليوم في عزّ الإسلام ودفع الباطل وأهله.  ذكر أن بعض الفلاحين يقود الواحد منهم أكثر من ثلاثين أسيراً من جنود الصليبيين، قد ربطهم بحبل خيمة.  باع بعضهم الأسير بنعل يلبسها في قدميه!  لقد جرت فى تلك المعركة أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين.  استمر الملك القائد صلاح الدين فى فتح المدن والقلاع والحصون الصليبية الأخرى تباعا.  كان آخرها حصن "شقيف أرنوم" في ربيع الأول 585هـ وكان من أمنع الحصون.  تحررت أرض فلسطين على يدى الملك الناصر صلاح الدين وقواته.

وقع في أسر قوات صلاح الدين الملك جاي ملك بيت المقدس وشقيقه، ورينالد حاكم الكرك الذي قتله صلاح الدين بيده براً بقسمه لغدره وإيذائه المسلمين.  أسر أمير جبيْل وابن هنفرى، ومقدم الداوية، وجماعة من الداوية وجماعة من الاسبتارية وقد أعدم المسلمون الداوية والاسبتارية لشدة نكايتهم في المسلمين.

 

كانت موقعة حطين هي إحدى المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي وتاريخ فلسطين.  بات المسلمون ليلتها يكثرون من التكبير والتهليل، وانتهت بسجود صلاح الدين لله شكراً مع سقوط خيمة ملك الفرنج وأسره.  بعد تلك المعركة فتحت الطريق أمام المسلمين لتحرير معظم أرجاء فلسطين.  فتحت طبرية خلال أيام قليلة ثم عكا فى العاشر من يوليو، ثم فتحت الناصرة وصفورية، ثم قيسارية وحيفا وأرسوف، ثم نابلس، ثم الفولة ودبورية وجنين وزعين والطور واللجون وبيسان وجميع ما يتبع طبرية وعكا.  ثم فتحت يافا.  ثم اتجت قوات صلاح الدين الاسلامية شمالاً ففتحوا حصن تبنين، ثم صيدا فى29 يوليو.  ثم فتحت بيروت وجبيل فى6 أغسطس.  ثم اتجهت القوات الاسلامية جنوباً لاستكمال فتوح فلسطين.  فتحوا الرملة ويبنه وبيت لحم والخليل، ثم عسقلان فى4 سبتمبر، وغزة والداروم.  أقام صلاح الدين بعسقلان حتى تسلم حصون الداوية في غزة والنطرون وبيت جبريل وغيرها.  لقد تمَّ كل ذلك للقائد المسلم صلاح الدين في شهرين تقريباً.  كان بعضها يحتاج إلى سنين من الحصار لاقتحامه.  كان جملة ما فتح خمسين بلداً كبيرا لكل بلد مقاتليه الأشداء من المغتصبين وله قلعة ومنعة.

كانت مملكة "بيت المقدس" أكبر الامارات الصليبيه و أهمها.  كان الصليبيون قد استولوا عليها عام 1099 م ابّان الحمله الصليبيه الأولى وارتكبوا فيها مذابح هائلة.  كانت القدس محصّنة تحصينا قويا بأسوار و قلاع وحصون منيعه.  أخذ الناصر صلاح الدين قواته فى  سبتمبر 1187م متوجها الى القدس.  وصلها صلاح الدين فحاصرها ونصب مجانيقه.  بدأ يقصف الأسوار.  نشبت معارك ضارية حاربت فيها قوات صلاح الدين والقوات الصليبية بشراسه.  بعد أسبوع من الحصار والقتال انهار الصليبيون.  طلبوا التسليم.  كان داخل القدس حوالي ستين ألف مقاتل صليبي كلهم يرى الموت أهون عليه من تسليمها.  جرت خلال أيام حصارها صدامات عديدة حاول المسلمون اقتحامها واقتتلوا أشد قتال رآه الناس.  كل فريق من الفريقين يرى ذلك ديناً وحتماً واجباً.  طلب الصليبيون المغتصبون الأمان مقابل تسليم المدينة.  رفض صلاح الدين إلا أن يفعل بهم كما فعلوا بالمسلمين عندما احتلوها قبل ثمانية وثمانون عاماً!  عادوا يطلبون الأمان وهددوا إن لم يعطوْه أن يقتّلوا أسرى المسلمين وهم ألوف، ثم يقومون بقتل نسائهم وذراريهم من النصارى ويحرقون ويعطبون أموالهم، ويقتلون حيواناتهم، ويخرّبون الصخرة والأقصى، ثم يخرجون ليقاتلوا قتال المستميت حتى النهاية.  شاور صلاح الدين أصحابه فأجمعوا على الإشارة بالأمان.  كان قبول التسليم آنذاك يوجب اعطاء المحاصرين الأمان وعدم قتلهم.  رفض صلاح الدين فى بداية الأمر.  كان نيته اقتحام المدينه واستردادها بقوة السلاح للانتقام لأهلها من الصليبيين للمجازر التى ارتكبوها عام 1099.  جرت مفاوضات.  لم تكن مفاوضات انهزامية.  كان الملك القائد صلاح الدين مخلصا لله وللأمة.  لم يكن الشيطان الأمريكى موجودا وقتها فى الوجود.  لم يكن هناك ثعلبا اسمه هنرى كيسنجر ولم يكن الناصر صلاح الدين حملا.  وافق صلاح الدين بموجبها على شروط تسليم الصليبيين.  وتم للمسلمين فتح القدس في 27 رجب 583هـ -2 أكتوبر 1187بعد أقل من أسبوعين من حصارها.  ظهر من تسامح ورحمة صلاح الدين الكثير مما اعترف به الصليبيون أنفسهم.  كان أهم شروط التسليم دفع المحتلون الصليبيون المهزومون فديه خلال أربعين يوما.  يدفع الرجل عشرة دنانير و المرأة خمسا و الطفل ديناران.  من يدفع يغادر بغير رجعة ويؤسر من لا يدفع الفدية.  سمحت الاتفاقية للمسيحيين الشرقيين و لليونانيين بالبقاء فى القدس كرعايا للدولة.  سمح صلاح الدين للبطريرك ولملكة بيت المقدس الصليبية بالخروج بأموالهم و خدمهم ونساء الأمراء بما فيهم زوجة السفاح "رينالد دى شاتيون" بالمغادرة بعد دفع نفس مقدار الفدية.  أصاب نبأ استعادة المسلمون لبيت المقدس البابا "أوربان الثالث" بصدمة هلك على اثرها.

 

البابا أوربان الثالث  Urban III Pope (1185م -1187م) واسمه أوبرتو تريفيللى. هلك فى 20 أكتوبر 1187 بعد الصدمة التى أصابته اثر هزيمة الصليبيين على يد السلطان الناصر صلاح الدين وجنوده فى يوليو 1187. لقد كانت الخطبة التي ألقها سلفه البابا أوربان الثاني في المجمع الديني المنعقد في كليرمونت بفرنسا قبل 92 عاما (488ﻫ - 1095م) هى التى حضت على شن الحروب الصليبية.

 

هكذا عادت بيت المقدس لتحكم براية الإسلام بعد 91 سنة هجرية (88سنة ميلادية)، وأعيد للمسجد الأقصى بهاؤه ونضارته، وعاد صوت الآذان يصدح في جنباته.  تم إحضار المنبر الذي أعده نور الدين ابن زنكى للمسجد الأقصى قبل فتحها بعشرين سنة!  اليوم تقذف المساجد بالحجارة والمولوتوف ويحاصر خطبائها ومصليها من رجال ونساء وشيوخ وأطفال ويمنع فيها الأذان والصلاة بأيدى مسلمين يعادون الاسلام ويعادون المساجد ويصارعون الحق بالباطل ويدينون بكل مستورد من عقائد وعادات وأخلاق.  أين يتم ذلك؟  فى بلد صلاح الدين محرر المسجد الأقصى وفى بلد الأزهر ولا حول ولا قوة الا بالله.

 

تابع صلاح الدين وقواته الاسلامية فتح المدن والقلاع الصليبية الأخرى.  فتح سنة 584هـ جبلة واللاذقية وقلعة صهيون، وفتح حصن بكاس والشغر وسرمينيّة وبرزيّة ودرب ساك وبغراس. فتح الكرك وما يجاورها كالشوبك بعد طول حصار بالأمان.  فتح صلاح الدين صفد بالأمان بعد حصار وخرج الفرنج إلى صور كما فتح كوكب.  وفي ربيع الأول 585هـ فتح صلاح الدين شقيف أرنوم وقد كانت من أمنع الحصون.

 

وهكذا.. عادت أرض فلسطين لتحكم تحت راية الإسلام من جديد. ولكن ربيع الانتصارات لم يدم طويلاً.  فلقد انفتحت صفحة جديدة من الصراع والتحدي منذ عام 1948م.  كما انفتحت صفحة من الصراع البغيض بعد ربيع ثورات 2011م بين الحق والباطل وبين الاسلام والملل والنحل الأخرى الاصطناعية فيما بين أبناء الاسلام.  فيترك المسلمون عدوّهم الحقيقى ليتخذوا عقيدتهم ومنهجهم عدوا لهم بعد أن استهوتهم أنماط حياة أعداء الله من الصليبيين والفرنجة ولا حول ولا قوة الا بالله.  انهم تولوا تدريجيا عن الاسلام على مدى أكثر من ستة عقود ليعتنقوا نمط حياة عدوهم ومنهجه واختراعاته العقائدية.  لقد كان ذلك منهجا موجها على أيدى الرؤساء والملوك والنخب لينسى الناس ماضيهم الناصع الطاهر المجيد، وليدفع الناس الثمن من حاضرهم ومن مستقبلهم، وليقبض الثمن العدو وعملاء العدو فى الداخل والخارج.

"وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"

(سورة محمد: آية38)

 

عندما هبّ السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى فى 25 ربيع ثان عام 583 هجرية 4يوليو 1187 ميلادية لنصرة المسلمين فى فلسطين ولمقاتلة وطرد المغتصب المحتل الصليبى كان صلاح الدين حاكما مسلما ومن ورائه شعب مسلم نقى الاسلام جنّد منه جيش مسلم خالص لله وحده ذو عقيدة راسخة قوية.  كان القائد والجنود فى معية الله.  كانوا يكبّرون ويهللون طوال الليل يرعبون ويرهبون عدوهم.  وعندما هب قطز بعده بخمس وسبعون عاما هجريا (73 عاما ميلاديا) فى رمضان 658 هجرية عام 1260 م لصد العدو التترى فى فلسطن قبل دخوله مصر كان قطز سلطانا مسلما على شعب مسلم تقى نقى.  شعب لم يتلوث ولم يتلون لا بالشرق ولا بالغرب ذو عقيدة خالصة لله عزّ وجلّ.  لم تشب جيوشهما كفر ولا علمانية ولا ليبرالية ولا بهائية ولا الحاد.  نصر الله صلاح الدين وجنوده كما نصر قطز وجنوده.  نصرهم الله رغم قلة أعدادهما وعددهما أمام جحافل قوات العدو وبرغم الطريق الطويل الشاق الذى قطعوه لملاقاة العدو.  كان صلاح الدين يواجه أضعاف قواته عددا وعددا وكان يواجه عشرات الحصون والقلاع المنيعة فتحها جميعا باذن الله حصنا حصنا وقلعة قلعة.  وكان قطز يواجه جنودا وقوات هائلة من المغول والتتار يفوقون قواته أضعافا مضاعفة فهزمهم شر هزيمة باذن الله.  لم يكن لقطز ولا لصلاح الدين شراذم من بنى جلدتيهما افتتنوا بالصليبيين ولا بالتتار فأخذوا يناصبون قادتهم وسلاطينهم العداء ويجاهدون لشدهم الى الأوحال التى ألفوها ولم يعودوا يستطيعون العيش خارجها.  كان صلاح الدين وكان قطز سلطانين قائدين مسلمين لجيشين مسلمين خالصين ولشعب مسلم لم يتلوث وكان وراءهم جبهة داخلية مسلمة خالصة مناصرة لله ورسوله.  هكذا انتصر المسلمون بالاخلاص لله ولرسوله.  وهكذا نصرهم الله وأعزّهم وهزم أعدائهم وأمدّهم بجنود لم يروْها.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا"

(سورة الأحزاب: آية 9)

 

ولكن هل نفذت معونة الله فى عصر النت والكومبيوتر وحرب النجوم والقباب الحديدية؟  هل نضبت جنود الله تبارك وتعالى فى عصر حروب المخابرات بالجنس والنساء وشقق الكونترول والأموال الحرام والعرى والفضائح والفحش؟  هل أعجزت آلات الاعلام الجبارة الآثمة الشائنة الكاذبة ربنا تبارك وتعالى فلم يقو حيالها على اظهار الحق؟  هل غلبت شرائع البشر ودساتيرهم ومنتجاتهم العقائدية الخربة المتعفنة شريعة الله؟  هل ينتصر فاجر يغاضب أمه لالتزامها بالحجاب على ارادة الله؟  كلا والله وحاشى لله.  ما الذى كسبه العميل الجاسوس ابن العلقمى وزير الدولة العباسية عندما كاتب المغول والتتار وقوّض الخلافة الاسلامية وأسقط بغداد فى أيديهم؟  ان كان ابن العلقمى قد كسب شيئا من التتار وفلح فى تدمير عقيدة الأمة فسوف يكسب علاقمة العصر من الليبراليين والعلمانيين والبهائيين والملحدين الذين يسعون حثيثا لتقويض دعائم الدولة ومحو هويتها وتدمير عقيدتها!  وان كان ابن العلقمى قد نجح فى نيل حب وتقدير واحترام التتار والمغول وأعداء الاسلام بفعلته الشنعاء فسوف ينال العلاقمة الجدد أضعاف ذلك الحب والتقدير والاحترام!!!

 

انّ معين الله لا ينضب وجنوده لا يعلمها الا هو ولا يعجزه انس ولا جن.  انّ جند الله باقية منذ خلق الكون الى قيام الساعة.  انّ عصر الصواريخ والقنابل النووية والموبايل والأقمار الصناعية لا ينسينا قدرة الله عزّ وجلّ.  لقد كان الاتحاد السوفيتى هو أحد القوتين العظميين فى القرن العشرين وكانت أفغانستان دولة ضعيفة فقيرة وكانت محتلة من بريطانيا من قبل.  طمع ملاحدة موسكو فى ضمها الى الاتحاد السوفيتى بالقهر كما ضموا العديد من الدول الاسلامية من قبل وحاولوا محو هويتها الاسلامية وصبغها بالصبغة الشيوعية الالحادية الحمراء دون جدوى.  كان فى أفغانستان علاقمة أيضا ساعدوا بالدسائس فى جلب القوات السوفيتية.  كان هؤلاء العلاقمة من رؤساء أفغانستان! هبّ رجال أفغانستان للزود عن البلد الاسلامى الذى لم تتلوث فطرته بالرغم من الاستعمار البريطانى السابق.  كانوا مخلصين لله ولرسوله ولوطنهم ولدينهم ومنهجهم وكانوا فى معية الله.  أحبوا فريضة الجهاد التى غابت عن الشعوب الاسلامية.  كانوا نماذج رفيعة غرست الأمل فى النفوس.  منهم من قضى نحبه وهو يحاول

 

 

أفغانستان كانت قبل الغزو السوفيتى ثم الأمريكى كانت دولة حرة وهى محاطة بدول اسلامية هى أوزبكستان، وكيرجيستان، وطاجيرستان، وتركمنستان وباكستان وايران. تلك الدول الاسلامية التى تطوق أفغانستان ضمتها روسيا بالقوة الى دول الاتحاد السوفيتى وعبثت بهويتها الاسلامية باستثناء باكستان وايران.

 

اقامة دين الله فى الأرض.  يطول الحديث عن الغزو السوفيتى لأفغانستان.  ولكنّ الله تبارك وتعالى أجرى الخوارق على أيدى المجاهدين الأفغان.  تعطلت قوانين الطبيعة.  فقدت الأشياء طبيعتها.  سجّل بعض من ذلك الصحفى المصرى الدكتور "عبد الله عزّام" الذى غطى جهاد المجاهدين الأفغان فى معاركهم مع الروس وكتب عن جهادهم كتابا بالغ الأهمية اسمه "آيات الرحمن فى جهاد الأفغان" عام 1405 هجرية 1985 ميلادية (دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع بالاسكندرية).  أورد من ذلك الكتاب بعض من مقتطفات عن تلك الخوارق التى لن يضنّ الله علينا بها ان رجعنا وأنبنا وتطهرنا وأخلصنا النية مع الله ونبذنا التناحر والتخاصم والتباغض فى سبيل المنافع الشخصية الزائلة أو كسب ودّ الخواجات والسعى وراء مناهجهم العقيمة النجسة:

 

"حدثنى"أرسلان (مجاهد أفغانى): كنا فى مكان اسمه "شاطورى"عددنا خمسة وعشرون مجاهدا هاجمنا ألفان من العدو"الشيوعيين" ودارت بيننا معركة وبعد أربع ساعات هزم الشيوعيون وقتل منهم 70-80 شيوعيا وأسرنا 26 شخصا.

قلنا للأسرى: لماذا هزمتم فقالوا: كانت المدافع والرشاشات الأمريكية تقصفنا من الجهات الأربعة.

قال أرسلان: ولم يكن معنا لا رشاش ولا مدفع انما هى بنادق فردية وكنا فى جهة واحدة.

 

وحدثنى أرسلان: هاجمتنا الدبابات وكان عددها حوالى 120 دبابة، ومعهم هاون وسيارات كثيرة ونفذت ذخيرتنا حتى تأكدنا من الأسر فلجأنا الى الله بالدعاء وبعد قليل واذا بالقذائف والرشاشات تفتح على الشيوعيين من كل مكان وهزم الشيوعيون ولم يكن فى المنطقة أحد غيرنا ثم قال: انها الملائكة.

حدثنى أرسلان قال:  فى مكان اسمه "أرجون رقم 23" هاجمنا الشيوعيين فقتلنا خمسمائة وأسرنا 83 شخصا فقلنا لهم ماسبب هزيمتكم ولم تقتلوا منا سوى "شهيد واحد"؟

قال الأسرى: كنتم تركبون على الخيل فعندما نطلق عليها تفر ولاتصاب أقول: والثابت بنص القرآن أنّ الملائكة نزلت فى بدر (اذ يوحى ربك الى الملائكة انى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان) وقد نص القرطبى فى تفسيره عند آية (بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين) سورة آل عمران 125.  قال فكل عسكر صبر واحتسب تأتيهم الملائكة ويقاتلون معهم لأن الله تعالى جعل أولئك الملائكة مجاهدين الى يوم القيامة.  وقال الحسن: فهؤلاء الخمسة آلاف ردف للمؤمنين الى يوم القيامة (القرطبى 4-194).

روى مسلم فى صحيحه "النووى- مسلم12-85" "قال أبو زميل فحدثنى ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه اذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر الى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا فنظر اليه فاذا قد خطم أنفه وشقّ وجهه كضربة السوط فاخضرّ (اسودّ) ذلك أجمع فجاء الأنصارى فحدّث بذلك الرسول "صلى الله عليه وسلم" فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة".

وحدثنى محمد ياسر (مجاهد أفغانى) قال: انّ الشيوعيين اذا دخلوا قرية بدباباتهم يسألون عن "اصطبلات خيول المجاهدين المسلمين" فيتعجب الناس لأنهم لايركبون خيولا ثم يفطنون أنّ هذه خيول الملائكة.

حدثنى جلال الدين حقانى قال: أعطيت مجاهدا بضع رصاصات ونزل المعركة وأطلق رصاصا كثيرا ولم تنتقص الرصاصات وعاد بها .

حدثنى عبد الجبار نيازى قال: مرّت دبابة وانا أرى على مجاهد اسمه "غلام محى الدين" وبقى حيا.

حدثنى الحاج محمد يوسف نائب أمير منطقة لوكر قال: مرّت دبابة على جسد المجاهد "بدر محمد جل" ولم يمت ولم يجرح.

أقول تعليقا منى:ولاتدرى هل جاء بين العجلات أم تحت العجلات؟

حدثنى جلال الدين حقانى قال:  كنا أيام تراقى (رئيس أفغانستان عميل للروس ويقتل الأفغان وبخاصة المجاهدين) لا نستطيع أن نوقد النار فى الجبل الذى كانت فيه قاعدتنا لأن الجواسيس اذا رأوا الدخان أخبروا الحكومة فأرسل الله الضباب على الجبل معظم العام فكان الدخان لا يرى من الضباب".

 

لقد قدم الشعب الأفغانى فى الحرب مع الاتحاد السوفيتى من التضحيات فى سبيل عقيدته ودينه ما يصلح رصيدا ضخما للسائرين على طريق هذا الدين لعدة قرون قادمة.  ولقد قدم لنا هذا الشعب البسيط المؤمن من خلال تجربته التى خاضها بدمه وأرواح أبنائه الكثير.  فلقد أثبت للدنيا بأسرها أنّ قوة العقيدة لا تقهر وأنّ عزيمة الايمان لا تهزم.  لقد هزّ الأرض من تحت أقدام الاتحاد السوفيتى وزلزل الأرض بها حتى باتت تشعر بضآلتها أمام هذا الشعب الفقير.  انّ وقوف شعب أعزل أمام أعتى وأكفر قوى الأرض وأشرس الجيوش المدججة بأحدث الأسلحة التى توصل اليها العقل البشرى لهو أكبر كرامة وأعظم بشرى وأغرب خارقة للسنن فى العصر الحديث.  لقد حطم الجهاد الأفغانى كل المقاييس البشرية وقلب كل الموازين الانسانية.  لقد رأينا ورأى كل ذى بصيرة أنّ يد الله هى التى كانت تدير المعارك هناك ويدرك أنّ تلك الانتصارات التى حققها المجاهدون على الأرض انما هى علامات التأييد من رب العزة.  لقد هزم نفر من المجاهدين الفقراء الحفاة الجياع احدى القوتين العظميين فى العالم فى القرن العشرين وجعلوها تنسحب وهى تجر أذيال الهزيمة والذل والخوف والرعب والعار لا تلوى على شىء.  انّ الاسلام هو العدو فى حلبة الصراع بيننا وبين  الشرق والغرب.  لقد أدخل المجاهدون الأفغان مفهوم الجهاد وأيقظوا فريضته بعد أن غابت عن المسلمين ولقّن الأفغانىّ البسيط الفقير الغيور أعداء الاسلام درسا قاسيا لا يمكن أن ينسوه ولا يمكن أن ينساه العالم.  لقد أصبح العالم يعمل له ألف حساب حتى أن الأمريكان كانوا يتوقعون بأنّ الاسلام سوف ينتصر وأنه سيدخل روسيا وتسقط روسيا ثم يجتاح أوربا وبعدها تتحالف أمريكا مع أوربا وروسيا وتهزم الاسلام!

المجاهدون الأفغان لم يكن فى أيديهم أسلحة تقاوم آلة الحرب السوفيتية الملحدة الجبارة طوال عشر سنوات (1979-1989) سوى البنادق ولكن قوة ايمانهم واعتصامهم بحبل الله كانت هى السلاح الأقوى الذى هزموا به أكبر ثانى قوة فى التاريخ.

 

انّ الاسلام لا ينهزم أبدا أيها الموتورون.  انهم المسلمون الذين ينهزموا اذا تراخوا فى اسلامهم واذا تنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم.  ولن تقوم للمسلمين قائمة أبدا ببعدهم عن الاسلام وتفريطهم فى الاسلام وضيقهم بالاسلام.  فان شئنا أم أبينا وان صدّقنا أم كذّبنا وان أحببنا أم كرهنا فان الاسلام هو الحل.

اننى أعلم أنّ تلك المقولة أو ذلك الشعار يسبب ارتفاع تركيز الهستامين لأناس غير قليلين ويسبب لهم الحكّة.  انّ ذلك مما يؤخر قدوم النصر.

ولكنّ الاسلام هو الحل.

محمد هاشم عبد البارى

25 ديسمبر 2012م

 

 

السبت، 1 ديسمبر 2012

الجزء4 - الله.. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر / أ . د محمد هاشم عبد البارى

بسم الله الرحمن الرحيم

الله.. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر

الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى

  30 نوفمبر 2012م

^^^^^^^

الجزء الرابع

 

 

معركة عين جالوت

أن من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم فى بغداد بيد التتار والمغول.  لم يكن ذلك السقوط ممكناً لولا العمالة والخيانة للتتار من داخل نظام الحكم.  كان الوزير "مؤيد الدين أبا طالب محمد بن علي بن محمد العلقمي" خائنا للخليفة "المستعصم بالله"   أبو أحمد عبد الله بن منصور "المستنصر بالله".  كان "المستعصم بالله" آخر خليفة عباسي في بغداد.   حكم بين عامي  640 الى 656 هجرية (1242 -1258 م) بعد أبيه "المستنصر بالله".   كان الوزير العلقمى خائنا للخليفة الذى استوزره بل كان خائنا للدولة كارها لأهل السنّة عميلا لل "سى آى ايه" فى مملكة التتار.   كان صاحب الدور الأساسى في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك.   جرّ على المسلمين القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال  بهولاكو زعيم التتار والمغول وإغرائه بغزو العراق.  هيأ للعدو المغولى التترى هولاكو من الأمور ما يمكّنه من السيطرة والاستيلاء على بغداد.  ما أكثر العلاقمة فى أيامنا هذه؟!  كاتب الوزير العلقمى التتار سرا وأطمعهم في ملك بغداد.  كان يخطط لذلك الأمر وهو بين يدى الخليفة.  أشار على الخليفة المستعصم بتسريح أكبر عدد من قوات الجيش الاسلامى "لتخفيف" الأعباء المالية على الميزانية العامة.  وافقه الخليفة دون أن يفطن الى أنّ اقتراح الوزير كان يستهدف إضعاف جيش الخلافة في مواجهة الغزاة التتار.  تدهورت حالة الجنود اجتماعيا وماديا.  اضطروا إلى الى العمل في جمع القمامة وحمل القاذورات!  انشغلت المصانع الحربية عن التصنيع الحربى بالبيزنيس وانتاج المراوح والحلل والصحون وأدوات المطابخ!

يأبى "العلاقمة" الجدد فى الأقطار الاسلامية العربية ألا يكونوا الا من بين الرؤساء والملوك والأمراء والنخب.  كان ولا يزال بعضهم برتبة ملك أو رئيس دولة مخلوع، وبعضهم بدرجة "أمين عام" لجامعة الدول العربية، وبعض آخر بدرجة مدير الهيئة الدولية للطاقة الذرية.  ما أشبه الليلة بالبارحة!  لقد سقطت بغداد على يد بن العلقمىّ الذى كان وزيرا خائنا للخليفة العباسى.  وسقطت بغداد فى القرن الواحد والعشرين بخيانة علقمىّ جديد كان مديرا عربيا لهيئة الطاقة الذرية الدولية وبتحريض وتمويل من رئيس وأمير عربيين.  ويريد علاقمة من هؤلاء ومعهم أحزاب كارهة للاسلام مدججة بالفنانين والفنانات والرقّاصين والرقّاصات والبلطجية والبلطجيات "يجاهدون" لاسقاط القاهرة أيضا فى براثن العلمانية والتحررية وتسليمها لقمة سائغة شهية لاسرائيل وأمريكا والغرب.

 

في عام 654هجرية 1256م اكتسح التتار كل بلاد الروم،  ثم اجتاح زعيم التتار "هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان" بغداد عاصمة الدولة العباسية كالإعصار في صفر من سنة 656هجرية 1285م.  دخلها بجحافله كالوحوش الضارية.

استولى هولاكو خان زعيم التتار على بغداد، وقضى على الخلافة العباسية، التي أدركتها الشيخوخة وظهرت عليها مظاهر الضعف والانهيار.  لقد كانت جذور الضعف والتفكك قد امتدت إلى جسم الخلافة العباسية قبل مجيء المغول بمدة طويلة.  فلقد تفككت الروابط القوية التي كانت تربط الخلافة العباسية بمختلف الأمصار الإسلامية.  نشأت دول عديدة وإمارات مستقلة في قلب الخلافة العباسية وأطرافها.  قتل هولاكو كبراء القوم ووزراء الخليفة وأعيان البلد، وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء الخلافة العباسية.  قتل ولدان للخليفة أمام عينيه وأسر الثالث كما أسرت أخوات الخليفة.

 

كان هولاكو يستدعي من بغداد بعض الرجال بعينهم وهم الرجال الذين ذكر ابن العلقمي أسماءهم له.  كانوا من علماء السنة.  كان ابن العلقمي يكن لهم كراهية شديدة.  كان هولاكو يأمر رجاله فيذبح العالم كما تذبح الشاة، وتؤخذ نساؤه وأولاده إما للسبي أو للقتل.

أصدر هولاكو أمره لقواته باستباحة بغداد وتدمير كل ما فيها.  خرّبوا المساجد وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما بها من تحف نادرة.  أعملوا القتل والنهب وسفك الدماء.  كان عدد القتلى نحو ثمانمائة ألف نفس على أقل تقدير للمؤرخين.  قتّلوا الرجال والشيوخ وقتّلوا النساء إلا من استحسنوه منهن فكانوا يأخذونهن سبياً.

 

قضوْا على الخلافة العباسية وعلى معالم الحضارة الإسلامية بعد أن قتلوا الخليفة "المستعصم بالله" وأفراد أسرته ونخب وأكابر دولته.

دمر هولاكو وقواته المغولية التترية عمران بغداد ومعالمها الحضارية ووسائل الحضارة الإنسانية.  نهبت بغداد ثم جالت قوات المغول والتتار فيها وعاثت فساداً.  قصفوها بالمنجنيقات حتى أصبحت أكثر مساكنها وأسواقها ركاماً.  أشعلوا النيران فى المساجد والجوامع والمدارس والمكتبات.  ظلت النيران تتأجج أياما وليالي طويلة.  نهب المغول كل التراث والمتاع الذي امتلكه الخلفاء العباسيون وأهالي بغداد.  دام القتل والنهب أربعين يوماً حتى أصبحت بغداد في حالة من الدمار والخراب لا تصدقها العيون.

 

استهدف المغول والتتار مكتبة بغداد أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمان.  كانت تحوي عصارة فكر المسلمين طوال أكثر من ستمائة عام.  جمعت مكتبة بغداد كل العلوم والآداب والفنون والعلوم الشرعية وعلوم الطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض.  ومن العلوم الإنسانية السياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وملايين الأبيات من الشعر وعشرات الآلاف من القصص والنثر.  كانت المكتبة تحوى الترجمات المختلفة لكل العلوم اليونانية و الفارسية و الهندية وغيرها.

 

انّ القائد الوحيد فى العالم الذى قهر التتار وهزمهم شر هزيمة هو سلطان مصر المسلم الغيور "الملك المظفّر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي".  لقد جلس على عرش مصر بعد أن خلع الملك الصبى  "المنصور علي ابن الملك المعز أيبك" (15 سنة) في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657 هـ - 1259م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك.  لم يكن ذلك الملك الغلام أهلا لادارة تلك المهمة التاريخية الجسيمة فى حياة الدولة الاسلامية.  لم يخلع "قطز" "الملك المنصور" طمعا فى الملك، وانما للتصدى للغزو التترى ودرء خطرهم الكارثى عن الأمة.

امبراطورية التتار (المغول) الرهيبة التى قامت على القتل وسفك الدماء ودحرتها مصر بقيادة قطز.

تقدم التتار إلى بلاد الجزيرة بعد سقوط بغداد والخلافة العباسية. استولوا على "حرّان" و"الرُّها" و"ديار بكر"  ثم عبروا نهر الفرات.  نزلوا على "حلب" فى الشام.  استولوا عليها.  جرت الدماء في الطرقات والدروب أنهارًا كما تجرى الآن على يد رئيسها ومغتصبها وشبيحته.  وصل التتار إلى "دمشق.  لاذ سلطانها "الناصر يوسف بن أيوب" بالفرار ومعه أكابره ونخبه. دخلوها واستولوا عليها بلا قتال.  عاثوا فيها فسادا.  تقتيلا وسلبا ونهبا وتدميرا.  ثم إلى "نابلس".  ثم إلى "الكرك" ثم الى "بيت المقدس".  تقدموا إلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر.

كل شعب التتار فوارس حتى اليوم فأعداد خيولهم تفوق أعداد نفوسهم

 كل ذلك كان من دواعى ارتياح ومباركة بابوات وحكام غرب أوروبا الذين اعتبروا التتار حلفاء لهم في قتال المسلمين.  كان ملك فرنسا الصليبى "لويس التاسع" يعمل بدأب على استمالة التتار وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام.  حتى اصطبغ الغزو التترى بالصبغة الصليبية.  أرسل "هولاكو" الى "قطز" رسالة رهيبة بالتهديد والوعيد والأمر بالتسليم مع رسول من رجاله وبرفقته أربعين من أتباعه.  قتّل "قطز" رسول هولاكو ومن معه بعد اتفاقه مع أمراء المماليك.  كان ذلك اشارة الى رفض التهديد والترهيب والاصرار على قتال التتار.  كان ذلك في سنة 658هجرية وأوائل سنة 1260م.  كانوا رجالا وليس أنصاف ولا أشباه الرجال.  نودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد.  تقدم "قطز" إلى جميع ولاة مصر يحث الأجناد للخروج إلى القتال.  سار بالقوات حتى وصل إلى الصالحية.  كانت الصالحية هى معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.  تكامل حشد القوات.  خرج "قطز" من مصر في جحافل القوات المصرية والشامية في شهر رمضان من سنة 658 هـ - 1260م.  وصل الى مدينه "غزة".  كان في "غزة" قوات التتار بقيادة القائد "بيدر".  كان "بيدر" قد أخبر قائده "كتبجا نوين"، بزحف قوات "قطز".

 

 كان قائد التتار "كتبجا نوين" في سهل "البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك".  أمر "كتبجا" القائد "بيدر" بالتوقف فى مكانه والانتظار.  أخذ "كتبجا" وجهته من فوره جنوبًا باتجاه القوات المصرية.  لكن "قطز" داهم "بيدر" قبل وصول "كتبجا" فخلّص "غزة" من أيدى التتار.  أقام قطز فى غزة يومًا واحدًا ثم غادرها شمالاً صوب قوات التتار.  دفع السلطان "قطز" بطلائع قواته بقيادة الأمير "ركن الدين بيبرس البندقداري" لمناوشة التتار وجسّ قواتهم واستطلاع تفصيلات تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم. تلاقى الأمير "بيبرس" بطلائع قوات التتار في "عين جالوت" بين "بيسان" و"نابلس" في "غور الأردن".  ناوش "بيبرس" التتار حتى لحق به السلطان "قطز" على رأس القوات الأصلية من جيشه.  نشبت بين الجيشين المتقابلين المعركة التاريخية الفاصلة  في يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ - 6 سبتمبر1260م .  كان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت". انقضّوا على جيش "قطز" تنفيذا لعقيدة القتال التترية "الحرب الصاعقة" و"المبادأة" التي برع التتار فى ممارستها في حروبهم اعتمادا على سرعة الحركة بالفرسان.  كان القتال ضاريا بين الجانبين و كانت الخسائر فى الأرواح بينهما فادحة.  تمكن التتار من النفاذ بعمق بين قوات المسلمين.  لقد اخترقوا ميسرة "قطز".  انكسرت ميسرته كسرا شديدا.  لم يلبث "قطز" أن حمل بنفسه في طائفة من قواته مسرعا لنجدة الميسرة حتى استعادت مواقعها.

استأنف "قطز" الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة.  كان يتقدم جنوده مرعدا:

 "واإسلاماه.. واإسلاماه"

حمى وطيس المعركة.  اشتد قتال "قطز" وجنوده.  كان يباشر القتال بنفسه فأبلى في ذلك اليوم المشهود فى تاريخ المسلمين أعظم البلاء.  كانت قوات "القلب" مؤلفة من المجاهدين المتطوعين.  انهم هؤلاء الذين خرجوا فى طلب النصر أو الشهادة يدافعون ويدفعون عن الإسلام بإيمانهم.  كان "قطز" يحرّض أصحابه على القتال ويزيّن لهم الموت فى سبيل الله.  لقد كان يضرب لهم المثل والقدوة عمليا بالبذل والتضحية والاستبسال زودا عن حياض الاسلام.  ومع ذلك فقد كان "قطز" يخفى الشطر الأكبر من قواته النظامية المؤلفة من المماليك في شعاب التلال لتوظيفها كمائن.  كان "قطز" يكرّ بالمجاهدين كرّة بعد كرّة حتى خلخل جناح التتار.  هنا برزت قوات المماليك من كمائنها فاستمر هجوم المسلمين على التتار بشراسة وضراوة.

كان قطز أمام جيشه وبين رجاله متصلا بربه يصيح بأعلى صوته:

 "واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"

 كان سلطانا رجلا قائدا مؤمنا وكان جيشه يتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته.  قتل الفرس الذى يحمل "قطز" من تحته.  كاد القائد المسلم أن يقتل فى المعركة، لولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه.

حمل "قطز" برجاله متغلغلاً في صفوف التتار.  أربك صفوفهم. شاع أنّ قائدهم "كتبجا" قد .  ولوا الأدبار لا يلوون على شيء.  سارع المسلمون بمطاردة قوات التتار.  طاردتهم أيضا القوات الاسلامية التى لم تكن من جيش "قطز" حتى دخل "قطز" دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك.  استقبله أهل الشام أعظم استقبال.  واصل المسلمون تعقب قوات التتار المندحرة ومطاردتها إلى قرب "حلب".  أدركت قوات التتار أنه قد أحيط بهم فتخلوْا عن أسرى المسلمين، ورموا أولادهم، فتخطفهم الناس.  لقد تجرّع التتار مما كانوا يجرّعونه للأمم التى ذاقت الهزائم والمهانة على أيديهم.

 

إن كل الحسابات العسكرية بالمفهوم الأرضى تجعل النصر بدون أدنى شك إلى جانب التتار.  ولكن الواقع نقض كل تلك الحسابات. فقد انتصر قطز وانهزم التتار.

لقد كانت مملكة التتار قد ألتهمت أكثر من نصف العالم فى ذلك الوقت قبل أن تبدو أمريكا فى الأفق.  كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب.  وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا فى ذروتها لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر.  لم تهزم لهم راية من قبل أبدًا.  ولكن معنويات قطز وقواده وجنوده كانت مفعمة بالايمان رغم خروج أكثر القادة إلى القتال كرهًا.

كان التتار قد انتصروا في حرب الأعصاب والحرب النفسية.  كان خطاب هولاكو مع رسوله الى قطز كله تهديد ووعيد.  لم يكن خطابه مغلّفا حتى بالعبارات الدبلوماسية التى تنطوى على التهديد والوعيد.  كان التهديد والوعيد الخطيرين مباشرين وسافرين يستندان الى تاريخ التتار وممارساتهم عندما يقهرون الأمم ويركّعونها أمامهم.  كان خطابا مرعبا لضعاف القلوب ولضعاف الايمان ولمن ينسون الله فينساهم.  هاكم الخطاب:

"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهّرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟!  فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر.  وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".

 لم يكن أمر اجتياح التتار لبغداد ببعيد.  لم يقهر جيوش التتار أى قوة من قبل.  كانت جيوشهم هى "الجيوش التى لا تقهر".  كانت الجيوش تنهزم بالخوف وهبوط الروح المعنوية وروح القتال قبل أن تصل اليها قوات التتار.  كان ذلك يؤثر في نتائج قتال أعدائهم أسوأ الأثر.  انّ للروح المعنوية العالية للقادة والقوات فى الجيوش أثر كبير فى احراز النصر على العدو.

كانت كفاية جيوش التتار تتفوق على كفاية جيوش قطز تفوقا كاسحًا.  خاضت جيوشهم معارك كثيرة.  كثرت ممارساتهم القتالية فى الحروب وتعددت وتنوّعت.  كانت تجربتهم العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود.

كانت جيوش التتار متفوقًة على جيش قطز عَددًا وعُددًا.  كانت أعدادهم تتزايد بمن التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين بعد احتلالهم أرض الشام.

كان جيش التتار يتمتع بعلوّ تدريب فرسانه وتمرّسهم على القتال. وكان تعداد فرسانه هائلا ونسبتهم فى الجيش كبيرة.  كان ذلك ييسر له سرعة الحركة فى اتباع فنون الحرب الصاعقة الخاطفة التي كانت تميّز جيوش التتار.  كان شعب التتار ولا يزال حتى اليوم كلهم فرسانا متمرسون على فنون الفروسية (عدد الخيول فى دولة التتار اليوم أكثر من عدد السكان).

كانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز.  فقد كانت تلك المواضع محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار.  انّ للطبيعة والأرض أثر عظيم في إحراز النصر.

كان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في شئونه الإدارية.  الشئون الادارية كانت الملابس والطعام والمياه والسلاح والدواب وسروجها وأعلافها.  كان جيش التتار يستمدها من قواعده القريبة في أرض الشام التي استولى عليها واستثمر خيراتها.  كانت جيوش التتار تستولى على ممتلكات وخيرات الأمم التى تغزوها وتستخدمها فى القتال.  كانت تستخدم رجال تلك الأمم دروعا بشرية فى حروبها.  بينما كانت قواعد جيش قطز وشئونه الادارية بعيدة عنه.  كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته.  المسافة بين مصر وعين جالوت طويلة.  كانت الشئون الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار.

لقد كانت النتائج المتوقعة بالمنطق الأرضى من هذا التفوق الساحق للتتار هى إحراز التتار النصر وسحق قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفّر الطويل.

لكنّ الواقع أنّ الجيش المصري بقيادة قطز هو الذى انتصر على جيش التتار.  كيف حدث ذلك؟

لقد قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ "العزّ بن عبد السلام" إرشاداتهم الاسلامية للسلطان القائد قطز، فلم تأخذه عزّة ولا علمنة ولا لبرلة ولا أمركة فأخذ بها.  نفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص.  أمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر.  خرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب.

كان على رأس المجاهدين جميع القادرين من "شيوخ" مصر على السفر وحمل السلاح وتحمّل أعباء الجهاد.  لقد ذكّرتنا ظروف حشد قوات قطز لمعركة عين جالوت بما كانت عليه ظروف الاحتشاد لملاقاة الروم فى تبوك بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد كان الشيخ العزّ بن عبد السلام هو "أبو محمد عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي".  مغربيّ الأصل دمشقىّ المولد عام 577 هـ. عاش فى سوريا وبرز في الدعوة والفقه.  وصل العزّ بن عبد السلام إلى مصر سنة 639هـ.  رحّب به الملك الصالح "نجم الدين أيوب" وأكرم مثواه.  ولاّه الخطابة والقضاء فى مصر.  لم يحتج أىّ من الرعيّة ولم يقل أنه شامىّ وليس مصريا.  كان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بممارسة البيع والشراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر. ذلك ما كان يتعارض في نظره مع الشريعة الإسلامية!!!  انهم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. امتنع الشيخ أن يصادق لهم على بيع أو شراء.  تألّبوا عليه وشكوْه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه بدوره فتوى العزّ.  أمره أن يرجع عن فتواه.  لم يأتمر القاضى الشيخ الرجل بأمر الملك الصالح.  طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء الذى هو ليس من شأن السلطان.  لم يؤلب الشيوخ على الملك ولم يعتصم فى ميدان التحرير ولم يحيك المؤامرات ولم ينشر الدسائس ولا الأكاذيب ولا الشائعات.  قام الشيخ القاضى المحترم فجمع أمتعته ووضعها علي حماره قائلا "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"؟  إشارة منه إلى الآية القرآنية الكريمة.  تجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصالحون للرحيل معه!!!  خرج الملك الصالح (الصالح) يترضّاه.  طلب منه أن يعود وينفذ أحكام الشريعة الاسلامية.  اقترح الشيخ العزّ على الأمراء المماليك أن يعقد لهم مجلساً وينادي عليهم "بالبيع" لبيت مال المسلمين!!!  نصحه أحد أبنائه بأن لا يتعرّض لأمراء المماليك خشية بطشهم.  ردّ عليه أبوه الشيخ العزّ بقوله: "أأبوك أقلّ من أن يُقتل في سبيل الله؟".  لقب الشيخ العزّ بن عبد السلام ببائع الأمراء!  هؤلاء هم الشيوخ وهؤلاء هم السلاطين وتلك هى الرعية!  لم يخرج سفيه قائلا انه شيخ مغربى تربى وجاء من الشام.  لقد كانوا مسلمين يعرفون اسلامهم حق المعرفة.  لم يكن الشيخ منتفعا ولا منافقا ولم يكن من رواد نوادى الروتارى ولا المحافل الماسونية فلم تكن ديار الاسلام قد تلوثت بها بعد.  لم يكن عبدا للكرسى متعطشا للمال وصناديق النذور.  لم يكن ولىّ نعمته رئيس ولا أمن دولة يحركونه بالريموت كونترول.  لم تمتد يده لمصافحة العدو التترى ولم يهاجم الحجاب ولا النقاب.  لم يصعد على المنبر صائحا بأن هولاكو أقرب الى الله من قطز!  لم يكن الشيخ محبا للدنيا وناسيا للآخرة.  لم يخرج رويبضة من جحره ينهق ويحذر الناس من "عزعزة" الدولة والحكم على يد الشيخ العزّ بن عبد السلام.  لم يخرج فاسق واحد يهاجم الشريعة الاسلامية طالبا التوافق مع العلمانيين والليبراليين والمثليين والشيوعيين واليساريين واللاشيئيين.  لم تكن تلك الأشكال ولا أمثالها موجودة فى مصر. كان الشعب سليم الفطرة سليم العقل.  لم يكن الشعب فى مصر متبلدا ولا متتنبلا ولم يلوثه شرق ولا غرب ولم يلحس عقله عرى ولا رقص ولا جنس ولا نخبوية ولا متاع ولا استهلاك ولا دعة.  قام الجميع قومة رجل واحد برغم كرههم للقتال.  كّل كان يقوم بواجبه على أكمل وجه.  ابتغاء مرضاة الله ورسوله وحبا حقيقيا للوطن.  لم يكن وطنهم مصرا فحسب.  لقد كانت كل ديار الاسلام وطنهم.  حتى البرادعيين (صنّاع البرادع أى السروج) من أهل مصر.  لقد أخذ البرادعيون دورهم بكل همة واقتدار فى صناعة البرادع للخيل والبغال والحمير المشتركة فى الحرب على التتار.  بئس برادعيّوا اليوم دلاديل الغرب من أدعياء السياسة وأدعياء النخبوية وأدعياء التحررية والعلمانية والحداثية ومناهضوا الاسلام وشريعته.

انّ قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال معتصما بحبل الله كان عازما ومصرا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق ومهما بذل من تضحيات ومهما لاقى من صعاب.

انّ اصرار قطز على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع واصراره على نقل المعركة خارج مصر مكرّسا لمبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى النصر أو الشهادة فى سبيل الله.  ذلك مما جعلهم يستبسلون في الحرب عند ملاقاة العدو.  لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء.

إنّ قطز لم يجاهد ليتولى السلطة.  لقد تولى قطز السلطة من أجل الجهاد.  انّ إيمان قطز بالله واعتماده عليه وتوكله عليه وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة كان له أثر عظيم في إحراز النصر.  إنّ أثر قطز والمجاهدون معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا.

  حين اطمأن قطز إلى نصر الله فى معركة عين جالوت على التتار ترجّل عن فرسه.  مرّغ وجهه في التراب تواضعًا لله.  سجد لله شكرًا على نصره.  حمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا.

  هذا هو القائد المسلم.  لم يصبه الغرور ولم يعز النصر الى نفسه أو الى براعته فى القيادة والقتال.  هذا هو الرئيس والملك والسلطان المسلم.

لقد كان انتصار المسلمين على التتار في "عين جالوت" انتصارا لعقيدة قوية وايمان راسخ من القائد وجنوده.  رحمك الله يا قطز ورحمكم الله يا رجال قطز يا جند الله المخلصين.

 

لم تمض أسابيع قلائل حتى طهّر قطز وجنوده كل بلاد الشام من فلول التتار.  ولم تتطهر مصر فى القرن الواحد والعشرين بعد سنتين من ثورتها من فلول النظام المتغوّل الفاسد.  ولم تتخلص الشام بعد عام كامل من القتل والتشرد والخراب من نظام حاكم مجرم قامع سفاك للدماء.  رتب قطز أمور البلاد وأناب على دمشق أحد رجاله ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر.  وصل القائد السلطان قطز إلى "القصير" ولم يبق بينه وبين "الصالحية" - المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل التحرّك لقتال التتار – الا قليلا.  رحلت قواته إلى جهة الصالحية فتربص به بعض أمراء المماليك فانقضوا عليه وقتلوه على مقربة من خيمته.  كان ذلك يوم السبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ - أكتوبر- 1260م.  لم يمض يومين على قتله حتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر.  فجعت الرعية وأسفت وحزنت حزنا شديدا.  دفن قطز في موضع اغتياله واستشهاده.  لم تدم سلطنة قطز على مصر الا سنة واحدة إلا يومًا واحدًا.

كان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير.  يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي.  كان له اليد البيضاء في جهاد التتار فعوّض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.  لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس كريم الأخلاق مجاهدًا من الطراز الأول.

قُتل قاهر التتار مظلومًا.  خسر روحه وربح الدنيا والآخرة.  سجّله التاريخ في أنصع صفحاته.  رحمه الله وجعل الجنة مثواه.  جعله قدوة صالحة فى قلوب قادة العرب والمسلمين.  فما أشبه غزو التتار بغزو اليهود الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيين القدامى للتتار بدعم أحفادهم للصهاينة.  ما أحوجنا اليوم إلى مثله قائدًا يتخذ الهجوم مبدأ ولا يركن الى الدفاع.  يتخذ العمل منهجًا ولا يكتف بالكلام. لا تشغله الدنيا ولا عرضها ولا ملذاتها ولا نساء موسادها عن الاخلاص للأمة والجهاد فى سبيل الله.  يقاتل العدو الصهيوني في الأرض المحتلة ولا ينتظر أن يقاتله العدو في أرضه.  يطلب الموت حتى توهب له الحياة.  حياة الدنيا وحياة الآخرة، والآخرة خير وأبقى!

 

تتار اليوم بعد أن اعتنقوا الاسلام ودخلوا فى دين الله أفواجا.
أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية بـ"تتارستان" إمكانية إنشاء أول حزب إسلامي في "روسيا"، كما كشف المندوب التعليمي بوزارة الشؤون الإسلامية "فالي الله ياكوبيف" أن قوانين الإنتخاب الجديدة في "روسيا" ستسمح بإنشاء أحزاب إسلامية في المستقبل.

وصرّح "ياكوبيف" أن كلاً من النواب والأحزاب السياسية بالبرلمان الروسي ليسوا ضد الإسلام، بل على العكس من ذلك، فإنهم على إستعداد لحماية الأديان السماوية والمسلمين!!!

فى الوقت الذى تحارب فيه الشريعة الاسلامية ومن يحملها ومن ينادى بها من فلول النظام البائد ومثقفوه ونخبه وراقصاته وفنانوه وأثريائه وأكثر رجال أعماله فى بلد قطز هازم التتار.

 

انّ خيبة أمة المسلمين فى مصر والأقطار العربية اليوم والتى كانت قد نشرت الاسلام فى ربوع آسيا وأوربا لم تبتلى بها أمة من قبل.  اننا بلد الأزهر صحيح، ولكننا أيضا بلد "النخب" من العلمانيين والليبراليين واليساريين والشيوعيين والفنانين والكرويين الذين يناهضون الاسلام بكل ما أمدتهم شياطينهم من قوة الشر.  ان شئت أن تعجب فاعجب بأنّ قوانين الانتخاب فى روسيا تسمح بانشاء أحزاب اسلامية، بينما بلد الأزهر تقاضى الأحزاب فى المحاكم، وما أدراك ما المحاكم، لرفعها شعارات اسلامية.  مجرد رفع شعارات اسلامية "الاسلام هو الحل".

أيها المنهزمون المتخاذلون، لقد أوردتم شعوبكم موارد الذل والقهر والمهانة.

انّ الاسلام لن يكون الا هو الحل، رغمت أنوفكم وأفواهكم وذقونكم وجباهكم.

انّ الاسلام لن يكون الا هو النصر، رغمت أنوفكم وأفواهكم وذقونكم وجباهكم.

وتحارب "النخب" فى مصر مجرد الاشارة الى الشريعة الاسلامية، فى بلد الأزهر وفى بلد 86 مليون مسلم و 4 مليون نصرانى، فى دستور الدولة المسلمة ومنارة الاسلام فى العالم. "تجاهد" تلك القلة الضئيلة من "النخم" لفرض سياستها وارادتها وأخلاقها وأحلامها ومروقها وفسوقها واعوجاجها على الأغلبية الساحقة الماحقة من الشعب المسلم.  هل رأيتم مثل ذلك الجنون فى أية دولة أو أمة أيها الناس؟

أيها الملوك، أيها الأمراء، أيها الكبراء، أيها الوجهاء، أيها الرؤساء، أيها العلمانيون، أيها الليبراليون، أيها البرادعيون، أيها الحدثيون، أيها المستغربون، أيها النخب، أنتم تتخذون عدوكم أسيادا لكم وتتمسّحون فى أعتابهم وتوردونا معكم موارد الذل والمهانة، وها هم يتخذونكم كلابا تلعق أحذيتهم. ثم تتسيدون على الشرفاء من بنى جلدتكم؟؟؟!!!

انّ ذلك الغرور الكاذب والافتراء يستحيل أن يؤدى الى نصر فى حرب أو فى غير حرب مهما كانت الأسلحة والعتاد والتكنولوجيا اذا انصاع له النظام الحاكم الذى أتت به الشرعية الدستورية وارادة الأمة.  أيها الحكام الشرعيون لا تحيدوا عن شريعة الله ولا تجاملوا ولا تربتوا على كتف سفيه ولا حاقد ولا تافه ولا رويبضة ولا مزوّر ولا لص ولا منتفع من نظام فاجر ولا عميل للعدو.  اننا يجب أن نقرأ التاريخ.  اننا لم نر فى حياتنا المتواضعة التى عشناها أن نجح يوما مفتر ولا ظالم ولا فاسق ولا عميل ولا دلدول للعدو ولا كاره لدينه وشريعته ولا قاطع طريق على الاسلام وشريعته.  بل على النقيض، اننا نرى آيات الله ماثلة حية قائمة قاطعة تقول كل يوم وكل حين وكل عصر:

 " وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ"

انّ ذلك المنهج المعوجّ اذا اتبعته الأمة كان من دواعى ومن عوامل ومن أسباب هزيمتها حتى ترجع.  أيها "النخب" لا تخيّبوا الأمة ولا تعرقلوا مسيرتها فى طريق الاستقامة والفلاح والنصر. لا تفرضوا "نخمكم" على الخلق أيها "النخب".  انكم أول من تدركون أنكم على الباطل وأول من تدركون أنكم لم ولن تقبضوا على شىء.  فى الدنيا حفنة ملاليم وفى الآخرة عذاب مقيم.  انكم ان أصررتم على المضىّ بعيدا عن الله فستكونون عوامل فساد وعوامل هدم وعوامل تفسّخ وعوامل انحلال وعوامل هزيمة.

 

 

 

تتارستان تعدادها اليوم 3,774 مليون نسمة عاصمتها "كازان" تضم 70 مجموعة عرقية أكبرها التتار(50%) والروس (40%)، وهى أكثر الجمهوريات تطورا من الناحية الاقتصادية فى الاتحاد الروسى وتمتلك أكبر قوة علمية. معقل تجميع سيارات "لادا" الايطالية وصناهة الشاحنات وتكرير البترول. خضع التتار للغزو المغولى عام 1237 م. عرف التتار كأحفاد "بلغار الفولجا" الذين اعتنقوا الإسلام عبر التأثيرات الدينية التي جسدتها التجارة والرحلات من آسيا الوسطى إلى الإقليم والعكس. لقد تم التمهيد لاعتناق "البلغار" للإسلام بفضل السفارة التي أرسلها الخليفة المأمون، التي خرجت من بغداد عام 922م.

 

 

 

 

منغوليا (اللون البرتقالى) أصل المغول أو التتار تقع بين الصين وروسيا. تعدادها الآن 3,133 مليون نسمة  منهم نحو 300 ألف مسلم. عاصمتها  "أولان باتور".

 

 

والى لقاء فى الجزء التالى

محمد هاشم عبد البارى

1 ديسمبر 2012