توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى يوم 5 يناير نسألكم الدعاء له بالرحمه والمغفرة

الجمعة، 8 يونيو 2012

أنا من الحزب الوطنى يا دكتور / أ .د محمد هاشم عبد البارى

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
من ذكريات المدرج..
أنا من الحزب الوطني يادكتور!
 
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
^^^^^^^
 
الحشرات عالم جذاب ومحيّر في أمره، ويدعو إلى التأمّل والتفكر والتدبّر، ليس في تنوعها وفى أشكالها وألوانها وتكوينها، وليس في حياتها وسلوكها ومعيشتها وبيئاتها وملائماتها في الشكل والتركيب لنمط حياتها.  ليس كل ذلك فحسب وإنما كذلك في وظائف أعضائها وآليّاتها في تأدية تلك الوظائف، وهو ما يطلق عليه علم وظائف الأعضاء أو "الفسيولوجي"، وذلك هو تخصصي، فتخصصي هو علم وظائف الأعضاء في الحشرات، وبالتعبير العلمي هو "فسيولوجيا الحشرات
  "Insect "Physiology".
 
. لقد استهوتنى كلية الزراعة وعلومها فهي بحق أم الكليات، والزراعة في الحقيقة وبلا شك هي أصل الحضارات، واستهواني في كلية الزراعة قسم الحشرات الاقتصادية Economic Entomology، واستهواني في علوم الحشرات علم فسيولوجيا الحشرات، واستهواني في فسيولوجيا الحشرات فسيولوجيا الأعصاب Neurophysiology!  لا عجب.  فلقد اجتذبت الحشرات طبيبا انجليزيا فافتتن بها، واستحوذت على كل اهتماماته فهجر الطب وعكف على دراسة الحشرات وحياتها ووظائف أعضائها في العشرينات من القرن الماضي، فكان أن أصبح هو العالم الأشهر في الحشرات "السير فنسينت ويجليسويرث" مؤسس علم فسيولوجيا الحشرات في العالم!  
 
كثيرا جدا ما يسألني الآخرون في بداية التعارف وبخاصة الأساتذة الجامعيين عن تخصصي عندما يعلمون أنني أدرّس في كلية الزراعة، ثم يتعجبون ويندهشون ويعقدون حواجبهم عندما أقول لهم أنني أدرّس في قسم الحشرات الاقتصادية، فأكون مجهزا سلفا لشرح الاسم!  أنهم، وعلى الأرجح أنتم كذلك، سوف تتركون الحشرات وتمسكون بالاقتصادية!
 
إن كلمة "اقتصاد" في اللغة: من "القصد" وهو التوسط والاعتدال (المعجم الوسيط مادة قصد) ، ومنه قوله تعالى: "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ" (سورة لقمان الآية 19)، والقصد في الآية منزلة بين التفريط والإفراط ، وبين التقتير والإسراف، هذا في اللغة أيضا.
أما في الاصطلاح فعرّفه "آدم سميث" (عام 1776) : بأنه "علم الثروة أو العلم الذي يختص بوسائل اغتناء الأمم".  ويعرّفه "روبنز" (عام 1932): بأنه "العلم الذي يبحث في سلوك الفرد تجاه حاجاته المعتادة ووسائله المحدودة ذات الاستعمالات المتنوعة".  أي أنه العلم الذي يدرس كيفية تلبية الناس لحاجاتهم وإشباعهم لرغباتهم المختلفة.
  وأعتقد أنّ الاقتصاد في النهاية يترجم إلى ربح وخسارة، ومنفعة وضرر، وفقر وغناء، وضنك وشقاء وراحة واسترخاء، وعذاب ومتعة!
 
قدّرت منظمة الصحة العالمية عام 1972 نحو 100مليون
حالة ملاريا في منطقة جنوب شرق آسيا، 70% منها تحدث في الهند، وفى عام 1947 قدّر نحو 75 مليون شخص عانوا من الملاريا في الهند بنحو 800 ألف حالة وفاة.  الدراسة عن الخسائر الاقتصادية الراجعة إلى الملاريا قالت أنّ الملاريا كانت مسئولة عن نحو 750 مليون دولار في ذلك الوقت (مرض، ضرر، عذاب، كبد، معاناة، عطالة، خسائر، موت).  كل ذلك بسبب نوع من البعوض (حشرات) ينقل الملاريا للإنسان عند اللدغ!!!
 
أعتقد أنك سوف تكون في غاية السعادة عندما ترى زوجتك أو ابنتك ترفل في فستان من الحرير "الطبيعي" الذي ثمن المتر منه آلاف الدولارات، والمصنوع من شرانق دودة حرير القز (حشرات).  وقد يضفى عليها شيئا من الرقة ولو إلى حين! وبالتأكيد أن زوجتك أو ابنتك سوف تتباهى وتتفاخر(تتفشخر) به عند الأخريات من نساء وبنات الأقارب والأصدقاء والجيران! (ربح، منفعة، جمال، رومانسية، بهجة، بهاء، راحة، متعة، انسجام، فشخرة!).
أعتقد أنّ مفهوم الحشرات الاقتصادية قد وصل.  إن الأمثلة على منافع وعلى مضار الحشرات لا تنتهي، وقد يكون لنا معها حديث إن شاء المولى عزّ وجلّ.
 
 
من بين المليون نوع من الحشرات التي عرفها وعرّفها وكشف عنها الإنسان نحن نقوم في "قسم الحشرات الاقتصادية" بتدريس أكثر من 300 نوع من أهم الآفات الحشرية والحشرات النافعة في البيئة المحلية الزراعية وغير الزراعية للطلاب في مقرر "الحشرات الاقتصادية"، علما بأننا نقوم بتدريس عشرات العلوم المتعلقة بالحشرات.  ظللت أدرّس ذلك المقرر طوال سنوات عملي بكلية الزراعة وحتى الآن بجانب علوم "فسيولوجيا الحشرات" وغيرها.  وللمعاونة في تدريس "الحشرات الاقتصادية" لدينا مجموعة حشرية محنطة ومتحف متواضع في القسم، ونطالب الطلاب الدارسين للمقرر بجمع مجموعة حشرات من البيئة المحيطة وتصبيرها وتعريفها ودراستها والإلمام بها.  هذه المجموعة الحشرية يقدمها الطلاب في نهاية الفصل الدراسي الجامعي ونمنحهم فيها درجات في إطار أعمال السنة.
 
في أحد أعوام أواخر التسعينات من القرن الماضي، وقد كنت مسئولا عن تدريس مقرر "الحشرات الاقتصادية" نظريا وعمليا، وفى أواخر الفصل الدراسي جاء إلى مكتبي السيد البروفيسور رئيس القسم، وكان يكبرني بعدة أعوام، غاضبا ومستاء.  بلغني أنّ أحد طلاب المقرر قد كسر قفل أحد دواليب عرض الحشرات في بهو القسم وسرق بعض الحشرات المحنطة.  وأخذ رئيس القسم يهدد ويتوعّد ذلك الطالب المجهول بالويل والثبور وعظائم الأمور، وأخذ يهدد بأنه سوف يفعل كذا وسوف يفعل كذا في كل الدفعة إذا لم يحددوا الطالب الذي فعل ذلك.  أخذت في تهدئة الرجل الذي لم أعلم بذلك الشأن إلا منه في تلك اللحظة، وهوّنت عليه الأمر، وطلبت منه أن يترك هذا الأمر لي وسوف أقوم بحل المشكلة.
 
كان عدد هؤلاء الطلاب الدارسون للمقرر نحو 560 طالبا وطالبة.  وكنت أحاضرهم في مدرج كبير أسبوعيا من السادسة إلى الثامنة مساء.  لم أقم بأي إجراء بخصوص تلك الواقعة حتى حان موعد محاضرتي لهم بعد أربعة أيام من ابلاغى.  دخلت المدرج في موعد المحاضرة بالضبط كالعادة.  وقفت على المنصة صامتا أنظر إلى الطلاب لمدة دقيقتين فكان الطلاب وكأن على رءوسهم الطير واعتراهم الوجوم.  لم يكونوا يعرفون بتلك الواقعة، فبالطبع لم يقل لهم أحد ولم يفشى الطالب الجاني عمّا فعل.  انه سرق تلك الحشرات لكى يقدّمها في مجموعته الحشرية وينال عليها درجة.
كنت متكدّرا بالفعل من تلك الفعلة.  وكنت أعتبر الطلاب دائما هم أبنائي بالفعل.  وكان الكثيرون من الطالبات والطلاب ينادونني أو يكتبون لي باسم "أبى".  لقد كنت أشعر في قرارة نفسي بأن أحد أبنائي الذين قمت بتربيتهم وأحببتهم هو الذي فعل تلك الفعلة.  لقد كان شعوري واحساسى أنّ الأمر يخصني أنا، وأن ذلك العار قد لحق بى أنا شخصيا.  كنت أغار على طلابي وأحبهم ولم أكن أتخيّل أن يصدر من أيّهم ماصدر.
 
ومع ذلك، ومع المرارة التي لحقت بنفسي، فقد قلقت عليهم من وجومي وصمتي في المدرج، وقلقت على توجّسهم، تحاملت على نفسي وأقرأتهم السلام كالعادة في محاضراتي. ثم سميْت الله وحمدت الله وأثنيت على الله وصليت على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كالعادة أيضا عندما أبدأ المحاضرة.  ثم حدثتهم عمّا بدر من أحدهم، وعن عدم تخيّلي لما حدث، وأبلغتهم تهديدات السيد الدكتور رئيس مجلس القسم، وأبلغتهم استياء كل أساتذة القسم والفنيين والعاملين فيه.  كل ذلك وسط محيط من الصمت الرهيب من الطلاب.  ثم تكلمت معهم  عن الأمانة، وعن الشجاعة، وعن الرجولة، وعن الفضيلة، وعن الكذب والإيمان، وعن نوعية الإنسان المسلم.  كل ذلك وهم واجمون.  وأخيرا قلت لهم: "درجاتكم أمانة عندي أمام الله.  لن أهدد بصعوبة الامتحان كما يفعل البعض.  لن آخذ البريء بذنب المذنب. أبدا.  لن أفعل أي شيء. أبدا.  ولن أسمح لغيري أن يفعل شيء ضدكم.  أبدا.  لن يأتيني ذلك الابن ليعترف لي على انفراد.  أبدا.  سأطلب شيء واحد فقط، وربما يكون أصعب من أي شيء يمكن أن يتخذ ضدكم بسبب تلك الفعلة.  سأستدير إلى ناحية السبورة وأعطيكم ظهري لمدة دقيقة، وسوف يقف بينكم الطالب الذي فعل ذلك لتعرفوه، حتى تعرفون المذنب وتشعرون ببراءتكم.  وحتى لا ينظر بعضكم إلى بعض في شك، وحتى لا يشعر أحد منكم أنه مشكوك فيه.  والآن أستدير، فليقف الابن المذنب لفترة كافية لتنظروا إليه وليجلس قبل أن أستدير لكم ثانية، فأنا لايهمنى أن أعرفه،  ولو عرفته فلن أفعل شيئا" واستدرت وأعطيتهم ظهري.
 
بمجرد أن أعطيتهم ظهري سمعت همهمة للمدرج لم تلبث أن توقفت، وغرق المدرج في صمت رهيب.  حقيقة لم أعرف كم لبثت على ذلك الوضع ولكن الوقت الذي مرّ على هكذا قد يكون أكثر من ثلاثة دقائق.  ومن شدة الصمت أعتقد أنّ عيناي كانتا قد غفلتا، فلقد شعرت أنني كنت وحدي في المدرج مقبورا.  وربما أفقت من غفوتي معتقدا أنني كنت وحدي في المدرج في جنح الليل.  ثم استدرت لهم ثانية.  ياللهول.  لقد وجدت طالبا في وسط المدرج واقفا في انكسار، والطلاب كأنّ على رءوسهم الطير، واجمون ومرتعدون ويمسحون دموعهم في صمت.  ياللهول.  ماكنت أتوقع أبدا أن يحدث ذلك.  مطلقا.  وقف الطالب الشاب ليرى نفسه لزملائه ولى ويعترف بذنبه في صمت، ليقول بجسده وبروحه وليس بلسانه "أنا الفاعل"، "أنا السارق"، "أنا المخرب".  لم يستح ذلك الشاب من نظرات المئات، لا تقل من زملائه بل قل من زميلاته الشابات!  ياللعجب!  لم يأبه ذلك الشاب إن كنت قد أضعف وأتراجع وأحنث في وعدى فأوقع به أشد العقاب؟  أبسط العقاب كان الفصل من الكلية وضياع المستقبل وهو فى السنة الرابعةعلى وشك التخرج.  لم يكترث أن يصل الأمر إلى والديه فيسبب لهما الإحراج والعار؟  لم يهتم ببكاء زميلاته وزملائه الصامت وقلقهم عليه فيجلس قبل أن أستدير وأراه؟  كان يمكن أن يتعلل لنفسه أنه لم يكن موجودا فى تلك المحاضرة وكان غائبا.  كان يمكن أن يتعلل لنفسه أنه لن يعرفه أحد.  انه لشيء عجاب!
 
كل ذلك جال بخاطري بسرعة البرق فدمعت عيناي وأشرت بيدي قائلا فى انفعال شديد: "هذا هو الإسلام،  هذه هي الرجولة،  هذا هو الشباب المسلم، هذه هي الشجاعة، اجلس يابنى، باركك الله".  قبل أن أكمل كلامي كان المدرج قد انفجر في البكاء، طالبات وطلبة!
 
لقد استغرق ذلك الموقف من وقت المحاضرة نحو عشرين دقيقة، وهى تساوى مجموع وقت الراحة.  فالمحاضرات عندنا ساعتان لكل ساعة عشر دقائق راحة.  في اعتباري أن ثلث الساعة تلك لم تكن أهم من المحاضرة فحسب ولكنها كانت أهم من الفصل الدراسي كله.  أعطيت محاضرتي كاملة في الزمن المحدد لها بالضبط وصرفت الطلاب، تعوّد الطلاب منى أن يجلسوا خلال المحاضرة بفاصل فى المدرّج بين الطالبات والطلبة، وأن أصرف زميلاتهم بالكامل أولا ثم أصرف الطلاب الذكور بعدهم. 
 
ذهبت بعد المحاضرة إلى مكتبي لأكمل برنامجي اليومي وكان لدى عمل أنجزه.  مكتبي داخل معملي والمعمل منفصل عن بقية القسم ويطل على حدائق الكلية مباشرة وكان الظلام خارج المعمل دامسا.  كنت منهمكا في قراءة أحد التقارير العلمية حينما شعرت بحركة وأن أحدهم يقف بباب المعمل في الظلام.  رفعت رأسي ونظرت صوب الباب فإذا بشاب يقف بالباب ينظر إلىّ.
 قلت له:  "من أنت يابنى وهل من خدمة أؤديها لك؟"
قال لي: "أنا الطالب المذنب الذي وقف في المدرج في المحاضرة"
كنت قد نسيت شكله وملامحه حينما وقف في المدرج وسط زملائه.  فقد كنت صادقا في وعدى ولم أكن أبدا غير صادق، بل كنت قد نسيت الموضوع برمّته بعد أن ألقيت المحاضرة.  وقبل أن
أتكلم أنا مع الطالب أردف قائلا:
"أنا من الحزب الوطني يا دكتور"
وقبل أن أردّ عليه كان قد أبرز بطاقة عضوية الحزب الوطني مناولا لي إياها قائلا:
  "أرجو أن تمزقها أنت بنفسك يادكتور"
نظرت للبطاقة في يدي وقلّبتها بين أصابعي وكانت بطاقة فخمة من البلاستيك المقوّى الذي صنعوا منه بطاقات الرقم القومي بعد ذلك بسنوات!
قلت له على الفور: "لا، بل احتفظ بها يابنىّ ولا تستغلها إلا في الخير"
تناولها الطالب منى في تردد وكأنه غير مصدق لما سمعه منى، ثم صافحني معانقا وانصرف.  لم أر ذلك الطالب بعدها مطلقا، وربما كنت أراه،  وبالتأكيد كان يحضر المحاضرات، وبالتأكيد امتحنته شفهيا وعمليا، ولكنني لم أتذكر شكله ولا ملامحه، ولم يكن يعنيني ذلك.  ولكنّ خريجي تلك الدفعة كانوا يحضرون إلى على فترات ويعرفوني بأنفسهم بأنهم من الدفعة التي "بكى فيها المدرج"، ومن يعرف ؟ ربما كان ذلك الطالب بينهم عندما كانوا يزورونى، دون أن أدرى!
 
بعد أسبوع تقريبا من ذلك الموقف جاء إلىّ البروفيسور رئيس مجلس القسم يسألني عن الإجراء الذي اتخذته في واقعة الطالب الذي كسر الدولاب وأخذ الحشرات.  قلت له أنني فعلت اللازم فلاذ بالصمت، ولم يسألني هو أو أحد غيره بعد ذلك أبدا.
 
لا أدرى إن كان ذلك الطالب قد غلبته نفسه الأمّارة بالسوء واستمر في عضوية الحزب الوطني ونال بعض المنافع والمناصب والسلطة والفلوس وأصبح الآن من الفلول، أم تغلبت شجاعته على المطامع وترك الحزب،  ولكنني أحبه مثل بقية الطلاب وأدعو له ولهم بالخير والهداية.
 
هؤلاء هم طلابنا، وهؤلاء هم شبابنا، وهؤلاء هم أبناؤنا
عندما يكتنفهم المناخ الطيب ويصادفون القدوة الصالحة ويبتعد عنهم شياطين الإنس.  يظهر بريق الذهب عندما تنفض من عليه التراب.
 
 
من سلوك الوزغ (البرص أو البرعص أو أبو بريص) عندما يشعر بالتهديد والخطر أن يفصل ذيله الذي يتلوّى ويتركه يتلوّى ويهرب، فيتلهّى فيه الناس ويظنون أنهم قد قضوا على الوزغ، وينشغلون عن بقيّة جسم الوزغ الذي يكوّن لنفسه ذيل جديد!  لقد ترك الحزب الوطني لنا ذيله نتلهّى به ومضى ليستأنف حياته بذيل جديد!
 
محمد هاشم عبد البارى
21 شوّال 1432 ه
19 سبتمبر 2011 م
 

عظماء بلا ضجيج.. عم الشيخ محمد / أ . د محمد هاشم عبد البارى


 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
عظماء بلا ضجيج ..
 
عم الشيخ محمد
 
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
 
^^^^^^^
 
متوسط الطول، نحيف الجسم،  رشيق القوام، قمحيّ اللون، حاد الملامح، صغير العينين، قصير اللحية، سريع الكلام،  سريع الخطى،  دائب الحركة، لا يكلّ ولا يملّ، تجده في أي مكان وفى كل مكان في نفس الوقت،  إذا فكرت فيه تجده،  وإذا أردت سماعه تجده.  يتقن عمله ويحب عمله بدرجة مذهلة.  حافظ لكتاب الله كاملا،  يحفظ مالا يخطر على بالك من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الأحاديث القدسية.  من يستفته يفته بآيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة،  بضاعته حاضرة، فلا يفكر كثيرا قبل الإجابة.  يحفظ الشعر، قوىّ الحجّة،  أينما ووقتما تطلبه يقول خطبة يهتزّ لها كيانك.  عذب الكلام،  رطب اللسان بذكر الله.  عاشرته وعاشره الآخرون لسنوات طوال دون أن نسمعه يوما يأتي على ذكر أحد إلا بالخير.  إذا شكوت له أحدهم يفاجئك بسيل من الصفات الحميدة التي لم تلاحظها في ذلك الشخص من قبل أو لم تعرها أنت اهتماما فيهدأ بالك، وتنقلب معاناتك منه إلى مودة.  يحبه ويعلى قدره الكبير قبل الصغير، حظي بثقة الأساتذة والطلاب والزملاء من العاملين بالكلية.  لم يكن يرتدى إلا الجلباب الأبيض بياقة مقفولة صيفا وشتاء.
 
لم يكن عم الشيخ محمد إلا عاملا فنيّا في قسم الحشرات الاقتصادية الذي أعمل به الآن أستاذا في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية.  ولكنّ ذلك الرجل البسيط الموسوعي كان في الكلية أشهر وأكبر من أي أستاذ في القسم، وكان أشهر من عمداء الكلية وكبار أساتذتها.  لا أعتقد أنّ هناك من تخرج في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية حتى بلوغ عم الشيخ محمد سن المعاش إلا ويعرفه حق المعرفة، ويقدره حق التقدير.
 
كان عم الشيخ محمد رجلا فقيرا عفيف النفس لدرجة محيّرة.  لم يكن راتبه يكفيه بعائلته الكبيرة، فكان يعمل اسكافيا بعد انصرافه من الكلية.  وكلية الزراعة لم تكن تهدأ من الطلاب والأساتذة قبل الثامنة مساء.  وبعد الثامنة يدبّ فيها نشاط آخر لطلاب الأبحاث والدراسات العليا.  كان عم الشيخ محمد يبدأ عمله في إصلاح الأحذية أمام بيته بعد الثامنة مساء وحتى ساعات متأخرة من الليل.  كان يصلح الأحذية الرجالية والنسائية بالخياطة والمسامير.  فقد كانت كعوب الأحذية تثبت في النعال بالمسامير!
وكانت رخيصة الثمن وتعيش في الأقدام لسنوات، ولكنها مع ذلك لم تكن في متناول الرّجْل!  اليوم كل الأحذية بمئات الجنيهات وتيك أوى،  بمعنى قص ولصق وتفرقع بعد مشوارين.  ونسمع عن أحذية نسائية بكعوب من البلور الخالص ترتديها موزة وخيارة وبلحة وكرنبة، ومع ذلك انخلع حذاء المتصابية موزه في عرس ابن ديانا!  ولم نكن نسمع عن حذاء محمود عباس أبو مازن أبو 120 ألف يورو والرعية محاصرة وتتضوّر جوعا في غزة، ويتواطأ أبو مازن وأبو علاء في إحكام الحصار.  
 
عم الشيخ محمد كان جلّ طعامه العيش الحاف!  نعم العيش الحاف!  ولا حتى بالخل.  كان يملأ معدته بالعيش الحاف.  والحقيقة أن العيش (الخبز) كان ممكن أكله حافا في ذلك الوقت (حتى منتصف السبعينات)، بعكس أنواع الخبز الحالية التي ما أنزل الله بها من سلطان!  ولكن أن تكون الوجبات الغالبة خبزا حافا فقط وطوال اليوم يعتبر ذلك أمرا مذهلا كبقية أمور عم الشيخ محمد، ذلك الأسطورة.   فقد كان عزيز النفس وعفيفها.  كان قويا مرهوب الجانب برغم رقة حاشيته ودماثة أخلاقه.
 
من أسطورية عم الشيخ محمد أن كنا نتتلمذ على يديه.  ليس في حسن الخلق وإتقان العمل والانضباط فحسب بل وفى العلم أيضا.  أقولها وأنا أستاذ وأعنى ما أقول حرفيا.   كنا ندرس مئات الأنواع من الحشرات الاقتصادية.  لم يخطىء عم الشيخ محمد مرة واحدة في حشرة واحدة.  كان يحب عمله وكان يحب الناس حبا عظيما، كان عم الشيخ محمد يحبه طوب الأرض (كما في المثل المصري).
 
عندما توفىّ الله والدي الكريم - رحمه الله وجعل الجنة مثواه -عام 1972 حضر عم الشيخ محمد جنازته وحضر العزاء ليلا.  قال كلمة إيمانية اهتزت لها المنطقة كلها.  جلّ كلامه كان بالعربية الفصحى بالرغم من أنه بالكاد كان يستطيع القراءة، وكان يعانى من قصر النظر بالرغم من بعد نظره منقطع النظير!  أنت يا عم الشيخ محمد حيرتني وأذهلتني، يومك في الكلية تقضية مثل النحلة حتى الثامنة، وتكمل يومك بالعمل الشاق في إصلاح الأحذية حتى ساعة متأخرة من الليل،  فمتى تحفظ وتراجع القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والشعر لتكون بضاعتك حاضرة لمن يطلبها نهارا؟!  عجبا ياعم الشيخ محمد!  ففي تلك الأيام لم يكن هناك مسجّلات ولا كاسيتات، وحتى لما ظهرت لم يكن أي شخص ليستطيع شراء أمثال تلك الرفاهية فضلا عن عم الشيخ محمد.
 
فجأة، اختفى عم الشيخ محمد.  فص ملح وذاب.  ذهبت إلى منزله عله يكون مريضا ولا يستطيع الحضور إلى عمله، فقد كنت أزوره في منزله وأجلس معه على كرسي متهالك بجانبه وهو يصلح الأحذية على كرسي وطاولة متهالكين على الرصيف أمام المنزل.  ولكننا فوجئنا بأن أهل البيت أيضا فقدوه ولا يعرفون له طريقا.  بعد عدة أسابيع عرفنا أنه قد أعتقل.  لماذا يعتقل مثل ذلك الشخص الرقيق المسالم الحافظ لكتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكل يحبه والكل يأتمنه على الغالي والنفيس؟ 
لأنه من الإخوان المسلمين !!!
 
أهكذا كان عبد الناصر وبطانته ومن تبعوه وبطاناتهم يعاملون عم الشيخ محمد وأمثاله؟  ماهى القضية؟  لا قضية!  ماهى الجريمة؟  لا جريمة!  ماهى المشكلة؟  لا مشكلة!  ولماذا الاعتقال؟  إحنا كده!  لقد تقطعت قلوبنا على عم الشيخ محمد الأسطورة.  آكل العيش الحاف!!!  لم يسرق ولم يقتل ولم يختلس ولم يزن ولم يغتصب (لم نكن وقتها نعرف شيء اسمه اغتصاب) ولم يخلّ بواجبات عمله ولم يسبّ ولم يجهل ولم يجهل عليه يوما.  إحنا كده!  واللي مش عاجبه نودّيه وراء الشمس.
 
استمر اعتقال وتعذيب عم الشيخ محمد ثلاث سنين.  خرج بعدها شخص آخر من حيث الشكل والصحة، ولكن لم يتغير مضمونه على الإطلاق.  لم يقل شيئا قط سوى "حسبي الله ونعم الوكيل" و "الحمد لله".  استمر في عمله ونشاطه ودعوته إلى الله إلى أن بلغ خمس وستون عاما وخرج إلى المعاش.  توفى الله عم الشيخ محمد بعد عمر بلغ ثمانية وثمانون عاما.
 
رحمك الله يا عم الشيخ محمد،  وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وسّع الله عليك قبرك وعوّضك عمّا ضيّقوه عليك في الدنيا، أطعمك الله بدلا من خبز الدنيا الحاف مما تتخيّر من فاكهة الجنة ومما تشتهى من لحم طيور الجنة،  متعك الله بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، عوّض الله أمة الإسلام عنك خيرا وأكرمنا بأمثالك ياعم الشيخ محمد.
 
هكذا هم الإخوان المسلمون وهكذا كانوا وهكذا هو حالهم.  كان عم الشيخ محمد أمّة.  المذهل هو كيف تربّى عم الشيخ محمد في ظل القرآن الكريم وحفظه كاملا وهو بالكاد يعرف كيف يقرأ.  كان يحفظه مجوّدا وكان يرتله وكان لا يتحدث إلا به وبالأحاديث الشريفة وبالأحاديث القدسية.  عندما كان يقول لي حديثا قدسيا أو حديثا نبويا شريفا كنت أكتبه من فمه بالتشكيل،  وعندما أراجعه في المنزل أجده سليما وتاما وصحيحا بالتشكيل الصحيح.  كيف استطاع الإخوان المسلمون تربية كوادرهم وأبنائهم وأنفسهم بتلك الدرجة من الرقى والموسوعية والاستقامة والأدب وإتقان العمل؟  إن الذي ربّاهم هو الله في إحدى مدارس رسول الله التي كان ناظرها الملهم حسن ألبنا رحمه الله وجعل الجنة مثواه.
 
وتتقافز أمامي بعض الأسئلة التي أريد الإجابة عليها.  لماذا يثق كثير من الناس في الإخوان المسلمين ثقة هائلة وعندما يتعلق الأمر بحقوقهم يكرهون أن يعطوها لهم.  لماذا يثق كثير من الناس في الإخوان ثم يكره البعض إنصافهم؟  لماذا يضيقون بالإخوان المسلمين وهم يعلمون مدى طهرهم وعفافهم وأدبهم ونزاهتهم؟
 
أريد أن أعرف وأتعلّم ما هي الأضرار التي لحقت ببعض الناس الذين يطلقون على أنفسهم "المثقفين" أو "النخبة" من قبل الإخوان المسلمين حتى يكرهونهم هكذا وينكرون عليهم حقوقهم ويودون إقصائهم،  ليس من الحياة السياسية بل من الحياة كلها ؟!  وبالمناسبة بأي حق يطلق هؤلاء على أنفسهم من دون الناس لقب "المثقفون"؟  وماذا عن بقية الناس؟  هل هم بهائم يحق لهم أن يجرّوهم بالحبال إلى المصير الذي يحددونه هم لهم؟   وهل كل واحد كتب حدّوتة أو قصة خيالية يكون هو المثقف؟  وهل كل واحد يستطيع أن يرص بضعة مصطلحات في الاقتصاد أو السينما أو في العلوم الإنسانية أو العلوم السياسية أو الحمزاوية ربما دون أن يتأكد هو من معناها يدّعى لنفسه الثقافة ويقصرها على ذاته ؟  وهل كل واحد كتب له كلمتين في مقالة نشرها له قريبه أو صديقه الصحفي أو المحرر أصبح مثقفا ؟  وهل كل واحد تعلم له كلمتين انجليزي وحفظ بعض أسماء الخواجات يكون هو المثقف؟  وما هو موضوع "النخب" الذي يصدعوننا به يوميا؟  وكيف أصبح هذا الشخص أو ذاك من "النخبة"؟  ومن الذي انتخبه لكي يكون من "النخبة" ؟ ما هذه الخيبة ؟  وبأي حق يعتبر الشخص نفسه من "النخبة" ؟
 
ألأنه من أعضاء الروتارى والليونز ؟  أم لأنه يرتدى المايوه هو وزوجته ويلعبون الراكت على الشواطئ ؟  أم لأنه صديق حميم للخواجات يوادّهم ويوادّونه على حساب قيم أبيه وأمه وأهله ؟  للأسف الشديد أغلبهم لم يتخلص ولن يتخلص من لهجته القروية التي تنمّ عن فطرة أهله الريفية السليمة والتي انسلخ منها !  وليته انسلخ من قرويته فحسب بل انسلخ من كل شيء، ولم يتبق له شيء سوى بضع مصطلحات يدّعى بها الثقافة "والنخبويّة"  ويستعلى بها على خلق الله.
 
ماذا فعل لهم الإخوان المسلمون؟  أزعم وأجزم أنّ هؤلاء المناهضون للإخوان إذا أراد أحدهم أن يبيع أو يشترى أو يستأجر أو يستعين أو يأتمن فلن يفعل ذلك إلا مع الإخوان.  أنهم يعلمون تمام العلم مدى طهر وعفاف وأمانة وإتقان ونظافة ونزاهة واستقامة الإخوان المسلمون وأي من المتمسكين والقابضين على الإسلام.  نعم، ولكن إلا السياسة.   فالسياسة عندهم لا يجب أن يتداولها المتدينون!  أنها قاصرة على أبناء الذوات والاكسلانسات ومقدمي فروض الولاء والطاعة وصانعي عجين الفلاحة !  منذ ثورة 1952 لم يتداول السياسة في مصر إلا "هيئة التحرير" ثم "الاتحاد القومى" ثم "الاتحاد الاشتراكي" في حقبة عبد الناصر، ثم "حزب مصر" الذي غيّر اسمه وجلده بتحوّل جميع كوادره وأعضاؤه وكراسيه وطاولاته وعماله إلى "الحزب الوطني الديموقراطى" في حقبة السادات، ثم استمر في سنين مبارك المخلوع.  إنّ لسان حالهم يقول "أعطنى حسنة وأنا سيّدك".  ألا تعلمون أنّ الطهر والعفاف والأمانة والإتقان والنظافة والنزاهة والاستقامة لا تتجزأ ؟  بل يجب أن تعلموا أيضا أنّ من انسلخ عن دينه وأصله وعقيدته وأعرافة ومبادئه لا أمان له ولا خلاق له!
 
 
أنا لا أقصد أبدا أن الطهر والعفاف والأمانة والنظافة والنزاهة والاستقامة قاصرة على الإخوان.  أبدا إطلاقا وإلا أكون كذابا وظالما ومجحفا.  إن أكرمكم عند الله أتقاكم.  إن أكثر الناس بخير ومن الإنصاف والإحسان والعدل أن أقول إنّ كثير من الناس من هم أفضل وأكرم عند الله منى بالطبع ومنهم.  ولكنني أتكلم عن الفئة من المسلمين الذين وهبوا أنفسهم لخدمة العمل الاجتماعي والسياسي والدعوة إلى الله.
 
 
فلا ينكر إلا مجحف ما قام به الإخوان المسلمون من الدعوة والتصدي لظلم الحكام وما لاقوه من اعتقالات وسجن وتعذيب وتقتيل واستلاب أموالهم وتدمير أسرهم وعائلاتهم وتشويه صورتهم، بسبب تصديهم لظلم الحكام أكثر من ثمانين عاما.  ولا ينكر أحد ما قام به الإخوان المسلمون في حروب فلسطين وما لاقاه الإخوان بسبب تصديهم للعمل الاجتماعي والاغاثى للمسلمين في داخل مصر وفلسطين وخارجهما في الدول الإسلامية.   ويستحيل إنكار دور الإخوان في الصحوة الإسلامية وإحياء سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.   ولا ينكر دورهم في إحياء علوم القرآن والسنن وفى تربية الجيل الحالي على مبادئ وعقائد الإسلام إلا مخادع.  ولكنهم إذا مارسوا السياسة أو تكلموا شيئا في السياسة تقوم دنيا البعض ولا تقعد.  هل هذا فصام (شيزوفرينيا)؟    أما هؤلاء المتفيهقون الذين يستقون علومهم وثقافتهم ومبادئهم وعقائدهم ونخبويتهم تارة من الشرق وتارة من الغرب هل كلامهم وآرائهم تنزيل من العزيز الحكيم؟  إنهم لا يوردوننا إلا موارد التهلكة،  وقد ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
 
 
ومن العجيب أن ترى بعض الفضلاء المصلّين الذين يتأففون من الإخوان المسلمين،  وعندما يركبون موجة السياسة ، ولكي يكونوا ثوريين أو ليعجبوا الثوريين، يضعون الإخوان المسلمين والسلفيين مع الحزب الوطني في سلة واحدة.  إنهم بسطاء، ولكن إما أنهم يفهمون ويدركون جيدا الفرق بين الإخوان من جهة والحزب الوطني من الجهة الأخرى، ولكنهم يحبّون أن يظهروا بمظهر "المثقفين" إياهم أو "النخبة" إياها حتى يقال أنهم من "النخبة" ويطفون فوق السطح، أو أنهم لا يدركون الفرق الشاسع والهوة العميقة بين الإخوان المسلمين وبين الحزب الوطني.
 
هل تسوّى ياسيدى بين الطهر والخبث؟  هل تسوّى بين الأمانة والخيانة؟ هل تسوّى بين الاستقامة والاعوجاج والانحراف؟  هل تسوّى يا سيدي بين العطاء والأخذ؟  هل تسوّى يا سيدي بين المنهوب والنهّاب ؟  هل يستوى الأبيض مع الأسود؟  هل يستوى النور مع الظلام؟ هل تسوّى بين المظلوم والظالم؟  أم تسوّى ياسيّدى بين العفاف والفحش؟  أم أنّ الحكاية أنّ الأمانة تستوي مع السرقة؟  أو أنّ التضحية قد استوت مع النذالة؟
 
أم هي الحرب والمكيدة ضد كل ما يمثل وكل من يمثل الإسلام وكل ما يرمز للإسلام، أم أنّ حربهم ضد الإسلام نفسه ؟!
إن لسان حالهم يا سيدي يقول:
 
"أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"
(سورة النمل: آية 56)
 
لا أعرف لماذا كلما أساء أحدهم إلى الإخوان المسلمين أتذكر على الفور عم الشيخ محمد.
رحمك الله ياعم الشيخ محمد وجعل الجنّة مثواك.
 
محمد هاشم عبد البارى
16 رجب 1432 ه
18 يونية 2011