بسم الله الرحمن الرحيم
الله.. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى
9 يناير 2013
^^^^^^^
الجزء السادس
معركة وادى ايا درانج
كانت معركة "وادى ايا درانج" (Battle of Ia Drang) ، على حد تعبير الأمريكيين، من أولى المعارك الكبرى التي وقعت بين قوات الولايات المتحدة وقوات جيش فيتنام الشعبي التابعة لفيتنام الشمالية. بدأت في 14 نوفمبر واستمرت حتى 18 نوفمبر 1965 على اثنين من سفوح المرتفعات الوسطى في فيتنام الجنوبية. استمدت المعركة اسمها من "وادي ونهر درانج" المكان الذي وقعت فيه.
فى عام 1965 بدأ الجنرال "ويليام ويستمورلاند" قائد القوات المعاونة للجيش الأمريكى فى فيتنام فى استخدام الجنود الأمريكان "المنقولين جوا" فى العمليات القتالية فى فيتنام، على عكس الاعتماد الوحيد على القوات الراجلة فى جيش فييتنام الشمالية.
خلال معركة "وادى ايا درانج" فى حرب فيتنام قيّدت أحوال الطقس والأرض العمليات الهجومية للقوات الأمريكية. فقد أثرت على توقيت استخدام القوات وعلى السيطرة والتحكم فى القوات وعلى التوظيف المؤثر لأنظمة الأسلحة والمعدات.
خلال الستينات أدخل الجيش الأمريكى مفهوم "القوات المحمولة جوا Air mobility command" للتغلب على القيود والمعوقات التى تمارسها طبيعة أرض المعارك على الحشود المقاتلة فى فيتنام. خلال معركة "وادى ايا درانج" فى فيتنام لم يكن لمفهوم القوات المحمولة جوا الا فعالية محدودة. فلم يزل الطقس وطبيعة الأرض يحدّان من العمليات الهجومية، ومن استخدام ناقلات الجنود، ومن استخدام منظومات الأسلحة والمعدات، ويؤثران على السيطرة والتحكم فى القوات. بالرغم من تلك التقنية الجديدة الا أن الطقس والتضاريس كانا لايزالا يفرضان قيودهما على توظيف واستخدام القوة القتالية لجيش الولايات المتحدة التى لم تتعلم بعد استعمال تلك التقنية الحديثة التى ابتكرتها والاستفادة منها بفاعلية.
يقع "وادى ايا درانج" فى منطقة الهضاب الوسطى لفيتنام الشمالية. تضاريسه تسودها جبال يفوق ارتفاعها 2000 قدم بغطاء من أدغال كثيفة النباتات. الاشجار فى هذا الجزء من فيتنام يمكن أن تنمو الى ارتفاع أكثر من 35 متر فوق الأرض. تتغطى المناطق المكشوفة بنباتات عشب علف الفيل التى يمكن أن يصل ارتفاعها أكثر من متر ونصف المتر. كان كل ذلك الكساء النباتى يوفر غطاء وساترا ممتازا لأى قوات تستخدم الوادى(Moore, 1992) . انّ المحاولات الوحيدة كانت تتم بواسطة الحيوانات وأغلبها لايمكن ملاحظتها من أعلى . الطقس حار ورطب أو حار وجاف. فى كلتا الحالتين كانت درجة الحرارة والرطوبة تشكلان تهديدا هائلا على هؤلاء الذين لم يعتادوا تلك الظروف البيئية (Moore,1992) .
فى نوفمبر عام 1965 تلقت "القوات المحمولة جوا" مهمة تنفيذ البحث والتدمير فى "وادى ايا درانج". شعر القائد الأعلى أنه لكون القوات المحمولة جوا قد دربت على التقنية الجديدة "للقوات المحمولة جوا" (والتى تسمى الآن "بقوات الانقضاض") فانهم يمكنهم التغلب على طبيعة الأرض بالهبوط على رأس الفيتناميين وجرّهم الى المعركة. افترض كذلك أنه باستخدام الحوّامات (الهيليكوبتر) فى الهجوم فلن يكون للفيتناميين ميزة الاستفادة بطبيعة الأرض والطقس! اختير الكولونيل (العقيد) "هال مور "Hal Moore الأمريكى قائدا لتلك المهمة (لا يزال حتى الآن على قيد الحياة)، وهو واحد من المحاربين المحنكين البارزين فى الجيش الأمريكى (Moore,1992).
كان الكولونيل "مور" قد تعلم خبرة القتال بصلابة فى جحيم الحرب الكورية ونال العديد من الجوائز "لشجاعته" ((Moore,1992. لكى يستخدم تقنية قوات الانقضاض الجديدة والمحمولة جوا استخداما مناسبا استمر الكولونيل "مور" فى عدة استطلاعات من الجو ليحدد بدقة أفضل موقع لادخال قواته. على كل حال فانه بسبب كثافة الأرض لم يكن الكولونيل "مور" قادرا على الحصول على صورة واضحة للأرض فى نطاق الهبوط ((Moore,1992. انّ الأبعاد الكاملة لتلك الخدعة لم تكن واضحة للكولونيل "مور" حتى أصبح بالفعل بقواته على منطقة الهبوط. انّ التضاريس المدغلة فرضت خيارات محددة على موقع نطاق الهبوط. لم يجد "مور" مكانا مناسبا يختاره لهبوط المروحيات الناقلة لقواته من بين الأماكن المتاحة الا مهبط بالقرب من قاعدة "كشوبونج ماسيف". كان المهبط الذى اختاره فى حجم ملعب كرة القدم، ومحاطا بأشجار منخفضة، ومحددا بتجويف جدول مائى جاف. انّ المكان الفسيح الذى اختاره لايفى الا بهبوط ثمانية مروحيات فقط فى المرة الواحدة. لقد أطلقوا عليه اسم مهبط "اكس ريى زون "X- Ray Zone. وهكذا بالرغم من التقنية الجديدة (المروحيات) اضطر الكولونيل "مور" لاحضار كتيبته للقتال على أجزاء متفرقة. وهكذا فانه، مرة أخرى، نجد أنّ التضاريس هى التى تفرض نفسها على سير المعركة أو على جريان المعركة وليس قائد المعركة. وكذلك بسبب المواقع المحدودة والمناسبة لمعسكرات القاعدة الكبيرة فقد كانت كل مروحية تستغرق 30 دقيقة للاقلاع من منطقة الهبوط الى معسكر القاعدة والعودة باحضار مزيدا من القوات اللازمة. بينما الجنود الذين تمكنوا من الاقلاع الى المعركة على متن المروحيات كانوا لايزالون يكابدون ويناضلون حرارة الأحراش المقاتلة التى تقاتل مع الفييتناميين!
أرض معركة "وادى ايا درانج" عام 1965
انّ القيود المفروضة على "النقل الجوى" بالنباتات وبمنطقة الهبوط الصغيرة أثرت على توقيت توظيف القوات. فكما لاحظنا لقد استغرق 30 دقيقة بين الطلعات لاكمال النقل الجوى للأعضاء المتبقين من الكتيبة. كان نتيجة ذلك التأخير فى الوقت اضطرار الكولونيل "مور" الى قتال وحدة أكبر بكثير من الفيتناميين بجزء صغير فقط من فرقته. أضف الى ذلك فان الحجم الصغير لمنطقة الهبوط فرض أيضا قيودا على طيران الطيارين الأمريكيين فى دعم قوات الكولونيل "مور". انّ طبيعة الأرض زادت من وطأة مكابدة الجند الأمريكان من الحرارة ومن جروح المعارك بسبب الكمية المحدودة للاخلاء الجوى للجرحى بالامكانات المستخدمة.
الاخلاء الجوى للجرحى الأمريكيين من القوات المحمولة جوا كان محدودا.
انّ خسائر الطيران الأمريكى من النيران الفييتنامية الأرضية كانت تتزايد بسبب استغلال الفيتناميين للتضاريس لصب نيرانهم على مروحيات الكولونيل "مور".
انّ أكثر العوامل التى أثرت بها ظروف الأرض والطقس كانت على مقدرة الكولونيل "مور" على القيادة والسيطرة السليمة على قواته. حتى القيادة المتميزة للكولونيل "مور" لم تمكنه من التغلب على الغطاء النباتى الكثيف والحد الذى فرضته على الرؤية ((Moore,1992. لقد أثرت التضاريس أيضا على توظيف واستخدام العديد من منظومات الأسلحة. ففى الوقت الذى كانت هناك ضرورة لنيران مدافع الهاون لم يكن القادة قادرين على ملاحظة التأثير المقيّد لمميزات تلك القوة من النيران المزودون بها. لقد أدى ذلك الى صعوبة المضىّ فى النيران والتصديق على مواقع الضرب.
كتب "مات فرتيز :"Matt Fritz "ستبقى حرب فيتنام (1954 - 1976) حية فى الذاكرة الجمعية للأمريكيين. لقد قصمت تلك الحرب أمريكا، وكانت أفضل هزيمة للأمة التى اعتادت الانتصارات العسكرية"!
انّ معركة منطقة مهبط "اكس ريى زون" فى "وادى ايا درانج" كانت تسمى "المعركة التى غيرت الحرب فى فيتنام". فى عام 1965 كانت الكتيبة الأولى فى سلاح الفرسان قد اسقطت بالطائرات المروحية فى "وادى ايا درانج حيث كان هناك 3 أفواج من جيش فيتنام الشمالية وكتيبة من "الفيت كونج Vietcong " تحيط بهم. وفى أول التحام كبير بين الجنود الأمريكان وجنود فيتنام الشمالية المدافعين نجح الأمريكان المتفوقين عدديا بطريقة رديئة فى الدفاع بصعوبة بالغة عن مكان الهبوط وعانوا من الاصابات والخسائر الجسيمة.
انّ معركة "وادى ايا درانج" (13-18 نوفمبر 1965) ربما كانت هى المعركة الأخيرة بين جيش فيتنام وقوات الولايات المتحدة بقوات متكافئة. فقد فقدت الولايات المتحدة 155 هالكا، و121 جريحا من أصل 500 جندى منقولون جوا. لم يعد منهم لمهامهم المباشرة الا 84 جنديا، (لم ينج من القتل أو الجرح الا 224 جنديا من الخمسمائة أى 8و44 % من القوات). وقتل من الفييتناميين 834 جنديا فضلا عن ألف جريح. بالرغم من تلك الأعداد الأمريكية الكبيرة الفاقدة الا أنّ القائد الأعلى الأمريكى فى سايجون "عاصمة فيتنام الجنوبية" أوضح أنّ معركة "وادى ايا درانج" كانت نصرا عظيما!!!
الجنرال متقاعد "هال مور" الى اليسار وحاكم ولاية ألاباما الأمريكية الى اليمين فى 8 أكتوبر 2009. انهم يعتبرون الجنرال مور بطلا قوميا.
اننى أتسائل اليوم عما حققته تلك الانتصارات الأمريكية المزعومة؟ انهم حتى اليوم يحتفلون فى كل المناسبات بالكولونيل "مور" وبانتصاره فى معركة "وادى ايا درانج" فى فيتنام كبطل قومى (هو الآن جنرال متقاعد). ما الذى عادت به القوات الأمريكية من غزوها لفيتنام على بعد 13813 كيلومتر من واشنجتن؟ بل انّ التساؤل الأولى هو ما الذى دفعهم الى غزو فيتنام الشمالية الشيوعية التى تبعد عنهم كل تلك المسافة؟ لقد ذهبوا يحاربون الشيوعية فى فيتنام الشمالية من عام 1956 الى عام 1974 ، فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت فيتنام الشمالية فقط هى الشيوعية قبل الحرب فتوحدت فيتنام الشمالية مع فيتنام الجنوبية بعد اندحار القوات الأمريكية وأصبحت فيتنام الموحدة كلها شيوعية بعد الحرب. اختفت سايجون عاصمة فيتنام الجنوبية وبقيت هانوى عاصمة فيتنام الشمالية الشيوعية وأصبحت عاصمة لفيتنام الموحدة كلها!!!
لقد بلغت خسائر الولايات المتحد البشرية 57522 قتيلا و 153303 جريحا، وقتلت القوات الأمريكية من أهل فيتنام مليونا ومائة ألف نفس وجرحت وأعاقت 3 ملايين فيتنامى وشردت 13 مليونا من اللاجئين.
فيتنام الشمالية (الشيوعية الحمراء) الموالية للاتحاد السوفيتى وفيتنام الجنوبية (الخضراء) الموالية للولايات المتحدة قبل هزيمة القوات الأمريكية واندحارها دون تحقيق أى هدف سوى التخريب والتدمير والقتل.
وبدأ الانسحاب التدريجى للقوات الأمريكية الفاشلة عام 1969وسقطت حكومة الفييتناميين الجنوبيين فى سايجون عاصمة فيتنام الجنوبية، وأطلق اسم "هو تشى منه" زعيم فيتنام الشمالية الشيوعية على مدينة سايجون، والخريطة لفييتنام الموحدة الشيوعية الآن (88 مليون نسمة عام 2009) وعاصمتها هانوى.
"هوشي منه" قائد ثوري فيتنامي قاد الحرب ضد الفرنسيين حتى أخرجهم من فيتنام وضد الأميركيين حتى هزيمتهم في فيتنام وخروجهم مندحرين.
عندما حاربت الولايات المتحدة فى فيتنام كانت الحرب بين التكنولوجيا الحديثة المنظمة ضد كائنات بشرية منظمة. كانت الغلبة للكائنات البشرية المنظمة. وفى خلال مسار المعارك الضارية فى الحرب بزغت وتنامت فى الولايات المتحدة أعظم حركة مناهضة للحرب لم تشهدها أمريكا من قبل مطلقا وهى الحركة التى لعبت دورا حرجا فى ايصال الحرب الى نهايتها.
فواحد هو أعظم أبطال الرياضة فى الولايات المتحدة والعالم وهو "محمد على" الملاكم الأسود بطل العالم فى الوزن الثقيل رفض الخدمة فيما أسماه "حرب الرجل الأبيض"، فقام اتحاد الملاكمة بسحب لقب البطولة منه. قال محمد على فى رفضه للتجنيد فى الجيش الأمريكى: "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن, وإننا - كمسلمين - ليس من المفترض أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله ورسوله, وإننا لا نشارك في حروب المسيحيين أو الكافرين". كما أعلن في عام 1966: "لن أحاربهم - قاصداً ال "فيت كونج" وهو الجيش الشيوعى في فيتنام - فهم لم يلقبونني بالزنجي".
وتحدث الزعيم الأسود "مارتن لوثر كنج" القس الأسود فى عام 1967 فى كنيسة "ريفر سايد" فى نيويورك قائلا: "بطريقة أو بأخرى يجب أن يتوقف ذلك الجنون. يجب أن يتوقف الآن. أنا أتحدث "كابن للرب"!!! وأخ للفيتناميين الفقراء الذين يعانون... الخ". هذا وقد بدأ الرجال الصغار فى رفض التسجيل للتطوع ورفض التجنيد عند الاستدعاء.
فى عام 1964 دخل "محمد على" فى الاسلام، وكان قد ولد فى 17 يناير 1942م باسم (كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور) لأسرة مسيحية. كان ذلك المسلم الأسمر الوسيم أسطورة فى بطولة ملاكمة الوزن الثقيل على مدى تاريخ تلك الرياضة لم تتكرر حتى الآن. توّج عام 1999بلقب "رياضي القرن". وهو صاحب أسرع لكمة في العالم (بلغت900 كم في الساعة). وهو صاحب أشهر اسم رياضي في التاريخ. اعتزل الملاكمة عام 1981 عندما كان عمره 39 عامًا. انه لا يزال حيا يرزق. فى عام 2005 منحه الرئيس الأمريكى الصهيونى جورج جورج بوش ميدالية الحرية الرئاسية والذى افتتح أيضا فى نفس العام "مركز محمد على" فى مسقط رأس ذلك البطل الأسطورة مدينة "لويفيل" فى ولاية كنتاكى. قال محمد على فى الافتتاح: "اننى الرجل العادى الذى عمل بجد على تطوير الموهبة التى وهبتها. لقد آمنت بنفسى وآمنت بطيبة الآخرين. انّ كثير من المناصرين يودون اقامة متحف للتعريف بمنجزاتى. أنا أردت أكثر من بناء يضم مخلفاتى التذكارية. لقد أردت مكانا يلهم الناس ليكونوا أفضل ما يستطيعون كيفما يختارون أن يفعلوا ولتشجيعهم على احترام كل منهم للآخر".
بنهاية حرب فيتنام كان قد ألقى على فيتنام سبعة ملايين من الأطنان من القنابل، وهى أكثر من ضعف القنابل الكلية التى ألقيت على أوروبا وآسيا مجتمعين فى الحرب العالمية الثانية. يعنى ذلك أنّ كل نفس فى فيتنام كانت قد تلقت 500 رطل من القنابل. أنّ 20 مليون حفرة قنابل قد انتشرت فى تلك البلاد. أذكر فى تلك الحرب الطويلة والتى استمر فيها القصف الجوىّ والتدمير والحرق أنّ الدراسة فى فيتنام الشمالية لم تتوقف أبدا. كان تحت كل طاولة دراسة (تختة) فى الفصول حفرة ينزل فيها التلميذ عند كل قصف جوى، وما أكثر الغارات الجوية اليومية والقنابل التى كانت تنهمر على فيتنام وأطفالها ومستشفياتها وبيوتها وأكواخها وبنيتها التحتية. ولكنّ الأمر لم يتوقف عند القنابل المتفجرة بأنواعها المختلفة. لقد ألقت الولايات المتحدة على فيتنام سوائل رش بالطائرات لقتل وتدمير الأشجار والمحاصيل وتدمير وقتل أى نوع من الزروع والنموات النباتية غطت مساحة تساوى مساحة ولاية "ماساشوسيت" بتلك السموم. لقد عانت الأمهات الفيتناميات من تشوهات أطفالهن جرّاء تلك المبيدات السامة المسرطنة. لقد قررت دراسة نشرت فى 17 أبريل عام 2003 فى مجلة "نيتشر" البريطانية أنّ التلوث بالديوكسين فى فيتنام أكبر بأربعة أضعاف عن التقدير الذى سبق اعلانه. أوضحت الدراسة أنّ 1و2 الى 8و4 مليون شخص قد رشتهم القوات الأمريكية "مباشرة" بمبيدات الحشائش شديدة السمية. من عام 1961 الى عام 1971 رشت الولايات المتحدة ملايين اللترات من مبيدات الحشائش السامة فوق نحو 10% من فيتنام الجنوبية لتدمير كثافة الغابات الاستوائية والمحاصيل التى توفر الغطاء والغذاء للمقاتلين الشماليين. لقد دمرت تلك العملية 14% من الغابات الفيتنامية فضلا عن 50% من غابات المانجروف الهامة. انّ 65% من مبيدات الحشائش تلك كانت تحتوى على TCDD وهو أسوأ أشكال الديوكسين شديد السمية والمسرطن للانسان. يعانى المحاربون الفيتناميون الآن من عشرة أمراض جرّاء الرش بتلك السموم مثل مرض انشقاق الفقرة فى منطقة الشوكة فى المواليد. لقد أعلن الصليب الأحمر الفيتنامى أنّ أكثر من مليون شخص فى فيتنام قد تضرر بمبيدات الحشائش.
لقد كان لحرب فيتنام تأثير عميق على الولايات المتحدة. فبالرغم من أنها بدأت الحرب بعدد صغير من المستشارين العسكريين الا أنّ الصراع أخذ يتصاعد منذ عام 1964 خلال 1968 ودفعت الولايات المتحدة بالمزيد والمزيد من الجنود الأمريكان، وتدفقت الموارد وسكبت سكبا فى فيتنام. وبعكس كوريا، واجه الأمريكان عدوا غير معتاد، وغير متجمع فى الحرب، وبدون خطوط جبهوية، حيث كانت الأهداف غامضة لدى الأمريكان ومخفية والأخطار مطّردة. فكانت النتيجة ثمنا باهظا من أجل أقل القليل. لقد كلفت حرب فيتنام أمريكا 686 مليار دولار بحساب القيمة المصرفية للدولار عام 2008.
لماذا يبكى "رجال" مارينز القطب الأوحد فى العالم فى العراق؟ ألستم رجالا؟ ألم تتركوا بلادكم وراءكم على بعد آلاف الكيلومترات للعدوان بلا قضية ولكن من أجل الدولارات ولاتمام دراساتكم فى الجامعات؟ ألستم مدججون بأعتى الأسلحة لتقتلوا بها النساء والأطفال والشيوخ فى بيوتهم؟ ألستم أنتم أصحاب سجون أبو غريب وجوانتانامو؟ وهل الصليب المنقوش على أكتافكم حلال عليكم ومقاومتنا تحت لواء الاسلام حرام علينا وتسمونه ارهابا ويردد نخبنا وبلهائنا مقولتكم أيها الظالمون؟
لقد كشف تقرير لخدمات الأبحاث بالكونجرس أنّ تلك الأمة اللعينة قد أنفقت 648 مليار دولار على عمليات العراق العسكرية في نفس مستوى تكلفة حرب فيتنام. لقد كانت حرب فيتنام هى ثانى أكثر الحروب العسكرية كلفة بعد الحرب العالمية الثانية. أفاد تقرير للكونغرس الأمريكى أنّ اجمالى تكلفة الحرب على العراق تقارب كلفة الحرب على فيتنام وأنّ الانفاق الأمريكى على العمليات العسكرية بعد مسرحية 11 سبتمبر عام 2001م قد فاق ذلك. ومنذ ذلك التاريخ بلغت المخصصات التى رصدتها واشنطن لما أسمته عمليات مكافحة الارهاب في كل من أفغانستان والعراق وبقاع أخرى من العالم 860 مليار دولار. لقد تكبدت الخزانة الأمريكية خسائر جراء الحرب على أفغانستان حتى الآن 443 مليار دولار. سينفقونها بلا طائل سوى القتل والتدمير والتخريب والافساد. ستكون حسرة عليهم فى نهاية الأمر على المدى الطويل.
انّ أصدق ما إعترف به الأمريكان عن اجرامهم فى الحروب التى شنتها أمريكا على أفغانستان والعراق سوف تجده فى المقطع التالى:
http://www.4cyc.com/play-I7UJupVHtb4
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ"
(سورة الأنفال: آية 36)
اذا عقدنا مقارنة بين ما تتكلفه أمريكا اليوم من الأرواح والنفس والاعاقات والمال بما كان يتكلفه المسلمون فى غزوة مثل غزوة الخندق (الأحزاب) بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه فى دفاعهم عن الدولة الاسلامية فى المدينة فى مواجهة أحزاب الكفر، أو فى غزوة تبوك على مسافة 700 كيلومتر من المدينة قطعها المسلمون فى الصحراء والرمال لملاقاة جيوش الكفر من الرومان، سوف تصاب حتما بالدهشة والذهول!
كانت الطائرات الأمريكية تروح الى فيتنام والعراق وأفغانستان بطانا بالقنابل والصواريخ التى تلقيها على البلاد والعباد وتعود الى بلادها بطانا أيضا، ولكن بجثث وأشلاء جنودها ولحومهم الأمريكية البيضاء والسوداء المهترئة المشوية.
والى اللقاء فى الجزء السابع
باذن الله
محمد هاشم عبد البارى
9 يناير 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق