توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى يوم 5 يناير نسألكم الدعاء له بالرحمه والمغفرة

الجمعة، 15 مارس 2013

مخاطر الاعتماد على استيراد القمح -1 / أ . د محمد هاشم عبد البارى

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
إنّ هذه المحاضرة التي ألقيتها في مؤتمر "إنتاج القمح  وأزمة رغيف الخبز" الذي عقدته نقابة الزراعيين بالإسكندرية منذ نحو خمس سنوات لم تكن موجّهة إلى المسئولين في مصر فحسب وإنما كان مقصود بها كل المسئولين عن الإنتاج الزراعي والأمان الغذائي في كل قطر عربي وكل قطر اسلامى على نطاق العالم ليتحملوا مسئولياتهم أمام الله وأمام شعوبهم.
 
 
حرائق القمح فى روسيا عام 2010 بسبب التغيرات المناخية
 
اننى أعيد الآن نشر المحاضرة في صورة الكترونية بعد أن تأكدت أكثر التنبؤات التي وردت بها فعلى سبيل المثال لا الحصر حظرت روسيا تصدير القمح للهبوط الشديد في إنتاجها من القمح بسبب التغيرات المناخية غير الملائمة. وقد دخل قرار الحظرحيّز التنفيذ فى 15 أغسطس عام 2010 ، وكان القرار قد صدر نتيجة موجة الحر التي ضربت روسيا و ما نجم عنها من حرائق دمرت ما يقرب من ثلث إنتاج القمح الروسي لذلك العام. انّ مصر هي السوق الأكبر للقمح الروسى، تليها تركيا وسورية وإيران ثم ليبيا. 
 
 
هذا في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا رسمياً وقف تصدير القمح بدءاً من 15 من أغسطس 2010 وسوف تطلب فرض حظر مماثل من روسيا البيضاء وكازاخستان، ويشمل القرار حظر صادرات القمح والشعير والجاودار «الشيلم» والذرة، بالإضافة إلي دقيق «طحين» القمح والجاودار.
 
وقال مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكى «ستراتفور» فى 29 أكتوبر 2012 إنّ قرار حظر أوكرانيا لتصدير القمح اعتبارا من 15 نوفمبر 2012، سيؤثر على الدول التى تعتمد على استيراد القمح، خصوصا مصر التى ستجتاحها حالة من عدم الاستقرار، وإن هذا الحظر سيؤدى إلى زيادة أسعار القمح وتقليص عدد الدول المصدرة له، مما يترتب عليه ارتفاع سعر رغيف العيش وتصاعد حدة الاضطرابات الاجتماعية التى ستشكل قوة ضغط كبيرة على الحكومة.  وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إنّ أسعار القمح الفرنسى زادت نحو 14 دولارا للطن المترى الواحد فوق القمح الأمريكى، الذى يتم تداوله عادة بمعدل أعلى، ومع ذلك زادت أسعار القمح الأمريكى ردا على حظر أوكرانيا المعلن، وزادت العقود الآجلة للقمح فى مجلس شيكاغو للتجارة يوم 24 أكتوبر 2012 بنسبة 1.8%، أى بمقدار 324 دولارا للطن المترى الواحد، وأصبح القمح من أمريكا الجنوبية هو الخيار الأخير لمصر، وأنها تتاجر عادة بسعر أقل من كل من أوروبا والولايات المتحدة، لكن الإمدادات من أمريكا الجنوبية أثبتت أنه لا يمكن الاعتماد عليها. كل ذلك بعض من مثل واحد مما تنبأت به فى تلك المحاضرة.
 
اننى أقول انّ الخيار الأخير والوحيد لمصر هو زيادة الانتاج من قمحها بالتوسّع الأفقى والتوسّع الرأسى فى زراعته لتقليص الاعتماد على استيراد القمح من الخارج.
 
لقد سبق أن نشرت تلك المحاضرة كمرفق في مجموعة "بيت عطاء الخير" البريدية الموقرة، وهى أكبر مجموعة بريدية فى العالم العربى، وهأنذا أشدد هنا مرة أخرى على كل ما تضمنته تلك المحاضرة وأضعها بين أيدي كل من له صلة بإنتاج وتخزين القمح والحبوب سائلا المولى تبارك وتعالى التوفيق والسداد والرشاد والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.
12 مارس 2013
*******
مخاطر الاعتماد على استيراد القمح
 
مؤتمر " إنتاج القمح.. وأزمة رغيف الخبز " – نقابة الزراعيين بالإسكندرية – 24 مايو 2008
 
الأستاذ الدكتور / محمد هاشم عبد الباري
أستاذ الحشرات الإقتصادية
كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية
هاتف جوال: 01001998870
 
 
1
فساد القمح والحبوب الأخرى المستوردة من الولايا ت المتحدة وغيرها
 
في الرابع من ربيع الأول عام 1423 هجرية الموافق السادس عشر من مايو عام 2002 م وفقت إلى نشر مقالة في جريدة "آفاق عربية" الغراء- العدد 577 – والتي تم إغلاقها فيما بعد من قبل النظام البائد- بعنوان "حرب القمح الأمريكية مع مصر... شاهد عيان".  ولقد اعتبرت تلك المقالة، من وجهة نظر المتخصصين وكذلك المشتغلون باستيراد القمح والحبوب وتخزينها وتصنيعها، وثيقة يعتد بها عند التقاضي. ولذلك فإنني أرى ضرورة إعادة نشرها في هذا المؤتمر،  فهي تلقي الضوء على نوعية القمح والدقيق الذين نستوردهم من الولايات المتحدة وغيرها، فإلى المقالة المذكورة:
 
   "رغم ضآلة نسبة مساحة الأرض الزراعية في مصر إلى مساحتها الكلية إلا أن مصر تعتبر بلدا زراعيا في المقام الأول، وبرغم أنّ ازدهار الأمم يقاس بمدى تقدمها في الزراعة والطب،  إلا أن مصر البلد الزراعي بعد أن كان مصدًرا للقمح أصبح مستوردا لما يزيد على 80 % من احتياجاته من القمح عام 1987، ويستورد الآن نحو ثلثي احتياجاته من القمح، ومعظم ما تستورده مصر من القمح يكون من الولايات المتحدة الأمريكية، وكميات ضئيلة من فرنسا وأستراليا!!  يحدث هذا في الوقت الذي أصبح فيه القمح سلعة استرايجية،  وأصبح سلاحا خطيرا تشهره الولايات المتحدة في وجه الدول التي تسمى بالنامية للتدخل في شئونها الداخلية والخارجية وإملاء الشروط وإذلال الشعوب .. حتى وصل التدخل إلى مناهج التعليم وخطب الجمعة في المساجد، وهى الدولة الرائدة في المنطقة العربية.  ومن بين الدول الإسلامية تعتبر مصر من أولى الدول المستهدفة من تلك الضغوط،  ولا يمكن فصل القضية الفلسطينية في ذلك المقام، فهي قضية العرب والمسلمين جميعا.  ولقد قمت منذ عام 1984 بفحص وتحليل عينات ممثلة من 39 سفينة تحمل رسائل القمح الأمريكي الشتوي الأحمر بلغت جملة حمولاتها 1.337.250 طنا من القمح وعشرة سفن محملة بالدقيق الأمريكي بلغت جملة حمولاتها 166.000 طنا،  والتي دخلت من مختلف الموانئ المصرية، وذلك فضلا عن سفن القمح الفرنسي والأسترالي الوارد إلى مصر.  لقد كان الأسوأ هو القمح الأمريكي وكان أفضلها هو القمح الأسترالي من ناحية النظافة الحشرية والنظافة العامة.
 
 وفضلا عن تلوث رسائل الدقيق الأمريكي بالحشرات ومخلفاتها فقد كانت رسائل القمح الأمريكي بصفة عامة حاملة لعشرات الأنواع من الآفات الحشرية من حشرات المخازن والحشرات الحقلية الخطيرة التي لا يتسع المقام لذكرها، ولكن كانت تلك الشحنات تحمل عادة 6 أنواع من الحشرات المدمرة للحبوب سواء حية أو ميتة.  هذه الحشرات الأخيرة توجد أطوارها غير اليافعة (اليرقة والعذراء) داخل الحبوب نفسها دون أن يلحظها إلا المتخصصون عن طريق فحوص مخصوصة.  وتحمل رسائل القمح الأمريكي نحو 18 نوعا مختلفا من الحشرات التي تهاجم الحبوب المكسورة والمجروحة ومنتجات الحبوب بصفة عامة وأهمها الدقيق ومنتجاته، فضلا عن الفواكه والخضروات المجففة والتمور والمكسّرات والألبان المجففة وغيرها.  ويأتي القمح الأمريكي ملوثا بحيوان ميكروسكوبي الحجم يسمى "أكاروس الحبوب والدقيق" سواء كان حيا أو ميتا.  ويأتي أيضا ذلك القمح مصابا بمجموعة أخرى من حشرات الأعفان التي لا تهاجم الحبوب إلا إذا ساء
تخزينها وتعرضت للرطوبة والتلف، وهى 5 أنواع يدل وجودها في القمح الأمريكي المستورد على إهمال العناية بتخزينه، وذلك فضلا عن الصرصور الأمريكي.
 
  ويدخل مع شحنات القمح الأمريكي ما لا يقل عن 50 نوعا من الآفات الحشرية الحقلية الميتة مختلطة بالحبوب، منها آفات خطيرة لا يسمح بدخولها لعدم وجودها في البيئة الزراعية المصرية.  ويدل وجود تلك الآفات ت الحقلية في وسط حبوب القمح على عدم غربلة الحبوب وتنظيفها قبل تخزينها في بلد المنشأ.  وبعض أنواع حشرات المخازن المشار إليها والتي تدخل مع القمح الأمريكي حيّة أو ميتة منها أنواع لم تكن موجودة في مصر وأصبحت موجودة جرّاء الاستيراد.  وبالطبع يرافق وجود أنواع حشرات الحبوب في القمح الأمريكي وجود مخلفاتها من براز وحمض البوليك وجلود انسلاخاتها وأجسامها الميتة فضلا عن إفرازاتها الخطيرة على الصحة العامة مثل إفرازات مركبات البنزوكينون التي تفرزها خنافس الدقيق والتي تسبب الأورام السرطانية لحيوانات التجارب.  أضف إلى ذلك براز وبول وشعر الفئران والحيوانات الأكبر من ذلك، علاوة على الأعلاف المصنعة لحيوانات المزارع والقواقع المختلطة بحبوب القمح.  ويأتينا القمح الأمريكي ملوثا ببذور الحشائش الحقلية والتي وصل عدد أنواعها إلى نحو 57 نوعا.  وتكمن خطورة تلك البذور في انتشارها في الأراضي الزراعية المصرية عند تداول نواتج هذا القمح في مطاحننا.
 
ويدخل مع شحنات القمح الأمريكي المستورد أنواع خطيرة من الفطريات الحقلية المسببة لأمراض النبات والتي يحظر دخولها على الزراعة المصرية، ولعدم وجودها أصلا في مصر، مثل الفطر "سبتوريا نودورام والفطر "سبتوريا تريتيساى Septoria tritici ". ويدخل معها أيضا أنواع من فطريات التخزين التي تسبب تلف وتدهور الحبوب إذا ارتفعت رطوبتها، ويؤدي وجود الحبوب المتعفنة الفاسدة مختلطة بالقمح إلى تلوثه بسموم "الأفلاتوكسينات" بواسطة الفطريات التي تنمو على الحبوب.
 
 
 
مظهر وأعراض الاصابة بفطر "سبتوريا تريتساى" على أوراق نبات القمح حيث يحيل أوراق القمح الى شرائط محترقة مما يؤدى فى النهاية الى خفض الانتاجية من 30 الى 50% للفدان من حبوب القمح.
 
إنّ وجود خنافس الأعفان المشار إليها في شحنات القمح الأمريكي المستورد – والتي تنجذب للحبوب المرطوبة والمتعفنة - حيث تتغذى على الأعفان التي عليها – يدل على سوء تخزين القمح وإهمال العناية به قبل الشحن.  وتدنيس القمح ببراز الفئران يلوثه بنوعين من بكتريا السالمونيلا التي تسبب التسمم الغذائي للإنسان ، ويحوى بول الفئران الجراثيم الحلزونية لميكروب "ليبتوسبيرا"،  والذي يظل فعالا وقادرا على العدوى لفترات زمنية طويلة إذا ما وجد في حبوب رطبة في رسائل القمح.
 
 
جرثومة بكتيريا "ليبتوسبيرا" الحلزونية
 
  إن التلوث بأكاروس الحبوب والدقيق ومخلفاته يتسبب في تفاعلات حساسية للإنسان.  وتسبب الإصابة الحشرية عموما انتشار الكائنات الدقيقة الضارة في القمح المخزون علاوة على خفض رتبة
 القمح.  وعادة ما يأخذ القمح الأمريكي المستورد درجة أو رتبة "مسوّس.
 
 
أكاروس (أو حلم) الحبوب والدقيق مكبرا
 
ومنذ أغسطس عام 1987 بدأ وصول القمح الأمريكي ملوثا ببذور القطن الأمريكي، فلقد حملت أحدى الشحنات (25.300 طن) نحو 63 مليون بذرة مختلطة بالقمح. ومما يدعو إلى الدهشة والريبة أنّ زراعة القمح شتوية بينما زراعة القطن صيفية، فلا مجال للاختلاط طبيعيا. وقد يلقى هذا الأمر بعض الضوء على أسباب تدهور زراعة القطن في مصر عندما تنتشر بذور القطن الأمريكي بصورة أو أخرى في الأراضي الزراعية المصرية.  ولقد تراجع القطن المصري عالميا بعد أن كان القطن المصري طويل التيلة هو الأفضل في العالم بلا نظير ...وذلك فضلا عن حصول الصهاينة والأمريكان على تقاوي القطن المصري بالطرق غير المشروعة في تلك الحقبة.. ذلك القطن الذي جاهد علماؤنا المخلصون وجاهدت وزارة الزراعة أحقابا للحفاظ عليه قبل اتفاقية كامب ديفيد ، والانفتاح الصهيوني الأمريكي
"لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ"
) التوبة :10)
 
 
بذور القطن الأمريكى التى وصلت مصر مختلطة بشحنات القمح عام 1987
 
ولقد كان قرار وزير التجارة رقم 1395 لسنة 1975 يحتّم خلو القمح المستورد من الإصابة الفطرية والحشرية بجميع أطوارها الحية والميتة ، ثم صدر القرار رقم 712 لسنة 1987 الذي يحتم خلو القمح المستورد من بذور القطن أيضا.
  فماذا بعد ؟
 
  إن زيادة إنتاج القمح ضرورة وطنية وقومية استراتيجية، ولقد أصبحت الضرورة ملحة، بل هي أكثر إلحاحا الآن، لتحقيق قومية قضية القمح إنتاجا واستهلاكا، والجدية في اعتباره سلعة استراتيجية وليس كأي سلعة غذائية أخرى، فإن الوجبة الرئيسية على مائدة المواطن المصري هي رغيف الخبز، ويحتم ذلك تضافر جميع الجهود لوضع خطة طموحة تلتزم بجدية تنفيذها القطاعات الرأسية والأفقية إعتمادا على محورين
 رئيسين:
 
 الأول هو زيادة الإنتاج بزيادة الرقعة المنزرعة سنويا، والتمسك بتطبيق دورة زراعية مناسبة، وبرفع معدلات الإنتاج باستخدام التقاوي عالية الإنتاجية والمعتمدة والمحسنة بمعرفة وزارة الزراعة.  ولقد بدأت وزارة الزراعة حملة قومية للنهوض بمحصول القمح منذ سنوات – كما تقوم بحملة أخرى منذ أكثر من عشرين عاما للنهوض بمحصول الذرة الشامية – حيث تقوم بنشر تقاوي القمح عالية الإنتاجية في مختلف مناطق الجمهورية.  أما المحور الثاني فهو الترشيد النسبي للاستهلاك والحد من الفاقد.
 
 ولا ينبغي أن نغض الطرف في هذا المقام عن أهم المشاكل التي يعانيها الزًراع وهى تحديد سعر القمح والذرة الشامية وغيرها للمنتجين عند مستوى منخفض،  فإن ذلك يعتبر عاملا محبطا تماما للمزارعين،  ولا يشجعهم على زراعة القمح مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج وزيادة حجم الاستيراد لسد الفجوة الغذائية .. وإذا كانت الحكومة الأمريكية تدعم مزارعي القمح حتى لا يحجموا عن زراعته نظرا لإستراتيجية إنتاجه بالنسبة للولايا ت المتحدة للضغط على الشعوب والحكومات فالأولى لنا أن ندعم المزارع المصري ونشجعه بزيادة سعر استلام القمح مهما كلفنا لأهميته الإستراتيجية لنا للتخلص من التبعية ومن الضغوط الأمريكية والصهيونية بدلا من دعمنا نحن للمزارع الأمريكي باستيراد ملايين الأطنان من القمح الذي ينتجه سنويا ليستمر هو في إنتاجه في الوقت الذي يحجم المزارع المصري عن إنتاجه.  ولابد أن يرافق التوسع في زراعة وزيادة إنتاجية القمح في مصر التوسع أيضا في إنشاء وتشييد صوامع الغلال الحديثة، مع إقامة وحدات التجفيف، لتخزين أكبر قدر من القمح على أقل وحدة مساحة في مختلف المحافظات ومناطق الإنتاج حتى يمكن الحفاظ على مخزون استراتيجي بطرق سليمة تقلل من الإصابات ت الحشرية والفطرية حفاظا على صحة الإنسان المصري الذي كابد طويلا من فساد الأغذية المستوردة وأولها وأهمها القمح.  لقد آن لنا حكومة وشعبا أن نحسن النية ونتوكل على الله عز وجل: إن القمح سلاح أمريكي استراتيجي فلماذا لا نبطل مفعوله ونتجنبه؟  لماذا لا نعمل وقد قال الله تبارك وتعالى
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"
(سورة التوبة آية 105)
وقال رسول الله الأمين صلوات الله عليه وسلامه:
 "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"!!
 
  إنّ أمامنا الهند والصين اللتان عانتا المجاعات لعدة قرون ماضية، وقال الخبراء في شأ نهما أنه لا أمل لهما، إنهما تنتجان الآن طعاما يزيد عما يكفى لسكانهما الذين يبلغون أكثر من ثلث سكان العالم.  إنّ الحل ميسور وبإذن الله مكفول ، إننا قادرون بحول الله وقوته على سد الفجوة الغذائية في القمح حتى يكون قرارنا نابعا من عندنا.  ولماذا نستسلم للولايات المتحدة الأمريكية بالإعراض عن زيادة مساحة القمح بالدرجة التي تسد احتياجاتنا، وقد قال المولى عز وجل
"إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"
(آل عمران آية 175 )
  ولم نحجم عن هذا العمل الصالح وقد قال ربنا تبارك تعالى:
 
"ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"
  (التوبة آية 120)
 ويقول تعالى:
"مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ"
(فصلت أية 46)
 
.  إنني أنادي إخواننا المزارعين في مصر بأعلى صوت: ازرعوا قمحا ، ازرعوا قمحا،  فلقد أصبحت وأضحت وأمست وباتت زراعة القمح فرض عين على كل صاحب أرض ومزارع لصون العزة والكرامة وللحفاظ على الأمن، ازرعوا قمحا بدلا من  الكانتالوب والفراولة، إننا نستطيع أن نصبر على الكنتالوب والفراولة ولا نصبر على القمح.  لقد قيل منذ عشرين عاما أن طنّ الكنتالوب والفراولة يشتري عشرة أطنان من القمح (يوسف والى)، ولكن ماذا لو لم تشتر أوروبا أو غيرها الكنتالوب والفراولة؟  وماذا لو رفضت الولايات المتحدة أن تبيعنا القمح؟  إنّ الحرب قادمة وسوف تضحًى بنا الولايات المتحدة وبكل العرب لصالح العدو الصهيوني كما ضحًت من قبل، وكما تضحى بنا الآن.  فلماذا لا نرشّد احتياجاتنا ولماذا لا نتسلح بقوة المستغني؟  إنّ زراعة القمح قوة، وقد قال لنا ربنا عز وجل:
"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"
(الانفا ل 60(
إن زراعة القمح ضرورة حيوية وجهاد.  إنّ الطموح والأمل لا يحدّه اكتفاء مصر بقمحها وإنما يمتد ويتسع ليكون اكتفاء ذاتيا وتكاملا عربيا وإسلاميا، ولقد قال لنا القرآن الكريم:
"وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"
(الأحقاف أية 19)
  .  وقال كذلك
"وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"
  (النساء آية 135)
  انتهت المقالة
 
هذا ولم أشر في تلك المقالة إلى نوعية شحنات الذرة وغيرها من الحبوب التي نستوردها من الولايات المتحدة الأمريكية أيضا ومن غيرها، والتي يتغذى عليها الحيوان والدواجن، ناهيك عن المواطن المصري، فترتد إلى أجسامنا سموما زعافا.
  ومنذ أن نشرت تلك المقالة توالت الكتابات في الصحف المختلفة عن الأقماح المستوردة من كافة الدول الموردة وفسادها وآخرها قمح العلف الذي نستورده للاستهلاك الآدمي.
 
 وإن كنت قد أشرت إلى خطورة التقاعس عن إنتاج ما يكفينا من القمح فإنني لا أغفل هنا خطورة التقاعس أيضا عن إنتاج بقية الحبوب اللازمة لكفاية الإنسان والحيوان في مصر، فنحن على سبيل المثال نستورد ما لا يقل عن 3 ملايين طن من الذرة سنويا !
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق