متى تفك السلك ؟
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
^^^^^^^
وهو سؤال يتردد دائما عندما يعود (يزور) شخص
ما أحد المرضى الذين أجريت لهم عملية جراحية أو تم خياطة جرح قطعي خارجي له نتج عن
حادث ما أو أصيب فى تظاهرة أو اعتصام.
ولا يخلو بيت، تقريبا، لم يجر لأحد من أفراده
عملية جراحية ما.
ونحن نتذكر دائما أحبائنا والذين أجريت لهم
أو تجرى لهم أو ينتظرون أن تجرى لهم عمليات جراحية.
نسأل الله تبارك وتعالى الصحة والسلامة
والعافية لنا ولهم ولجميع المسلمين فى العالم.
ولكن هل يخيط الجراحون الجروح أو العمليات
الجراحية الداخلية أو الخارجية بأسلاك مثل أسلاك الكهرباء؟ وهل ضاقت بهم السبل فلم
يجدوا خيوطا من أى نوع حتى يستعملون السلك فى خياطة الجروح ؟ وهل تتحمّل أنسجة
الإنسان اللينة الطرية الغضة استخدام الأسلاك فى خياطتها ؟
هذا ما سنجيب عليه الآن ونلقى عليه بصيصا من
الضوء حتى نعرف قصة "السلك" وخياطة الجروح و"فك السلك"!
لقد استخدمت خيوط الجراحة منذ آلاف السنين
وأثارت الجدل وبقيت على الأغلب دون تغيير. ولقد كانت مخاطي الجراحة (ابر خياطة
الجراحة) تصنع في قديم الزمن من العظام أو المعادن مثل الفضة والنحاس وأسلاك برونز
الألومينيوم، وكانت خيوط الجراحة تصنع من مواد نباتية مثل الكتان والقنّب (بكسر
القاف والنون وتشديد النون وهو ما يعرف بالخيش) والقطن ، أو كانت تصنع من مواد
حيوانية مثل الشعر وأوتار الحيوانات وشرايينها أوفتائل من عضلات الحيوانات (اللحم
الأحمر، فاللحم الأحمر فى الإنسان والحيوان وبعض الطيور والأسماك واللحم الأبيض فى
الطيور والأسماك هو العضل) ومن أعصابها ومن الحرير ومن أمعاء القطط. بينما استعملت
الأشواك النباتية وغيرها فى الثقافات الأفريقية في خياطة الجروح، كما استخدمت
خياطة جراحة النمل ! وذلك باستمالة شغالات النمل الأسود الكبير إلى عض طرفي الجرح
معا بفكوكها ثم تلوى أعناق النملات وتفصل أجسامها وتبقى رءوس النمل عالقة قابضة
بفكاكها على طرفي الجرح حتى تلتئم
!!!
ويرجع تاريخ استعمال الخيوط في الجراحة إلى
نحو 3000 سنة قبل الميلاد في مصر، وأقدم خيوط الجراحة التي عرفت كانت في
المومياوات المصرية منذ 1100 سنة قبل الميلاد.
إن أول وصف تفصيلي لخيوط الجروح ومواد خيوط
الجراحة استخدمت فيها كان بواسطة حكماء الهنود والطبيب الهندي "سوشروتا "
كان قد كتب وصفها منذ نحو 500 سنة قبل الميلاد. ولقد وصف أبو الطب الاغريقى "هيبوقراط"
تقنيات بدائية لخيوط الجراحة كما فعل ذلك الرومان المتأخّرين. فالطبيب الروماني "جالين"
فى القرن الميلادي الثاني يعتبر هو الأول الذي وصف خيوط جراحة المصنوعة من الأمعاء.
أما الجرّاح الأندلسي المسلم "الزهراوى"
(الملقب "بأبي الجراحة والجراحين"، ولنا معه مقالة بإذن الله تعالى) فقد
اكتشف الطبيعة الذائبية لأمعاء القطط في القرن العاشر الميلادي، عندما أكل أحد
القرود عودا من "أعواد" خيوط الجراحة (عندما تمطّ أمعاء القطط وتجفف
فإنها تكون ذات طبيعة جافة متصلبة شبه مستقيمة قبل استخدامها في خياطة الجروح،
ولذلك فقد كانت تسمى أعوادا). وتتضمن العملية الصناعية استخراج وجمع أمعاء الخراف
وما يسمى خيوط جراحة أمعاء القطط ، وكانت تلك الخيوط تشابه الخيوط المستخرجة
والمستخدمة في صناعة المعازف مثل العود والكمان والجيتار وخيوط مضارب التنس. وربما
تنسب تسمية آلة العزف "العود" عودا لاستخدام "أعواد" (خيوط) الجراحة
في صناعتها! فلا تنسى عندما تتمايل مع ألحان فريد الأطرش التي يعزفها على أوتار "العود"
أن تلك الألحان ما هي إلا صراخ القطط التي أخذت أمعائها وأخذ العازف يضرب عليها
بأصابعه أو بقطعة بلاستيك بين أصابعه بعصبية وبلا رحمة، وأنّ أصوات الكمان ماهى
الا مواء القطط المسكينة!!!
لقد أدخل الجرّاح الانجليزي "جوزيف
ليستر" (1827-1912) تغيّرا عظيما في تقنية خيوط الجراحة (كما في الجراحة
نفسها) عندما اعتمد التعقيم النمطي (الروتيني) لكل خيوط الجراحة. فقد حاول أولا
إجراء التعقيم خلال ستينات القرن الثامن عشر بتعقيم خيوط جراحة أمعاء القطط بالفينول
(الفينيك)، ثم تلاها بمحاولة التعقيم بالكروم في العقدين التاليين. وقد تم إحراز
النجاح في الحصول على خيوط أمعاء القطط المعقمة أخيرا في 1906 بمعاملتها بالأيودين
(اليود).
ولقد حدثت القفزة التالية في القرن العشرين. فقد
قادت الصناعات الكيميائية إلى إنتاج أول خيوط جراحية اصطناعية في أوائل ثلاثينات
القرن العشرين، والتي تفجّرت في إنتاج العديد من الخيوط الجراحية الاصطناعية
القابلة للامتصاص وغير القابلة للامتصاص.
وكانت أول خيوط جراحية اصطناعية قابلة
للامتصاص مبنية على كحول البولي فينايل في عام 1931، وهو مادة بلاستيكية. وقد تم
تطوير البولي استر في خمسينات القرن العشرين، ثم تلا ذلك عمليات التعقيم بالإشعاع
لخيوط أمعاء القطط والبولي استر. وقد اكتشف حامض البولي جليكوليك في ستينات القرن
العشرين، وتم استخدامه في سبعيناته في صناعة خيوط الجراحة. اليوم تصنّع أغلب خيوط
الجراحة من ألياف البوليمر الاصطناعية. والحرير وأمعاء القطط هي المواد التي لا
تزال موجودة – ولكن تستعمل الآن نادرا – منذ العصور القديمة. ولكن في الحقيقة أنّ
خيوط الأمعاء قد حرّمت في أوروبا واليابان بسبب اعتبارات مرض جنون البقر أو حتى
جنون القطط !
وتأتى خيوط الجراحة إلى الجراحين في أحجام
متخصصة جدا. وقد تكون قابلة للامتصاص (قابلة للانحلال أو التحلل البيولوجي في جسم
الإنسان أو الحيوان) أو قد تكون غير قابلة للامتصاص. ويلزم أن تكون خيوط الجراحة
ذات شدة كافية لمسك النسيج الحي بأمان، ولكن ينبغي أن تكون مرنة أيضا بما يكفى
لربطها وعقدها. وينبغي أن تصمم لتخفيف مخاطر الإصابة بكافة أنواع أمراض الحساسية،
ولتجنب التفتيل - بمعنى ألا تسحب سائل النسيج المخيط بالفعل الشعري أو بالخاصة
الشعرية مثل الفتيل - حتى لا تسمح للتلوث باختراق الميكروبات للجسم بطول الجرح
المخيط (مثل فتيل مصباح الزيت أو الكيروسين - كنت في الابتدائي أستذكر دروسي وأؤدي
واجباتي المدرسية على ضوء مصباح الكيروسين نمرة 5 أيها الشباب المرفه، ولم نكن
نحتاج إلى دروس خصوصية في أية مرحلة أيها الشباب! فقد كانت الدروس الخصوصية عارا
وشنارا وفضيحة أيها الشباب! لأن الوزير والوزارة والمعلمين والإداريين والنظار
والطلاب والتلاميذ والعمال كانوا يؤدون أعمالهم بإتقان وتفان! كان المعلمون عمالقة
ومثل عليا! أيها الطلاب وأيها المعلمون).
كل خيوط الجراحة تصنّف إما كخيوط قابلة
للامتصاص أو غير قابلة للامتصاص، بناءا على إذا ما كان الجسم سوف يحلل تلك الخيوط
طبيعيا ويمتص مادة الخيط على الوقت.
وتتضمن الخيوط القابلة للامتصاص الخيوط
الأصلية مثل أمعاء القطط، وكذلك الخيوط الاصطناعية المصنعة من حامض البولي
جليكوليك، وحامض البولي لاكتيك، ومادة البولي داى أوكسينون، ومادة الكابرولاكتون. هذه
المواد تتكسر بعمليات بيولوجية كيميائية مختلفة تتضمن التحلل المائي وتتم بمساعدة
إنزيمات الاستريزات (عوامل بيولوجية مساعدة تنجز عمليات فصم مركبات إلى شطرين
بإدخال جزيء ماء إلى المركب) ، ويتم كذلك هضم البروتين الموجود في خيط الجراحة
بواسطة إنزيمات هضم البروتين والتي تسمى "البروتييزات" وهى الإنزيمات
الخلوية الموجودة في الخلايا أو الإنزيمات الموجودة داخل العضلات (اللحم الأحمر في
الإنسان).
فعندما يتعرض حامض البولي جليكوليك لظروف أو
بيئة نسيج الجرح المخيط الحي يتحلل مائيا عشوائيا ويتكسر بالإنزيمات. وناتج التحلل
هو حامض الجليكوليك، وهو غير سام، ويمكن أن يدخل دورة التمثيل الغذائي (عملية
الأيض) في الجسم، ثم يتحول ويتم إخراجه بعد ذلك في صورة ماء وثاني أكسيد الكربون. وجزء
من حامض الجليكوليك يتم إخراجه مع البول. وعلى ذلك تفقد خيوط الجراحة المصنّعة من
البولي جليكوليد نصف قوتها بعد أسبوعين، وتفقد كل قوتها بعد أربعة أسابيع. ومادة
البوليمر يعاد امتصاصها تماما بواسطة النسيج الحي في فترة زمنية تتراوح بين 4-6 شهور.
وبناء على ذلك فانّ العملية يمكن أن تستغرق من 10 أيام إلى ثمانية أسابيع. وتستعمل
تلك الخيوط الجراحية القابلة للامتصاص مع المرضى الذين لا يستطيعون العودة إلى
المستشفى لإزالة خيوط الجراحة (فكّ السلك)، أو تستعمل في الأنسجة في داخل الجسم. وفى
كلتا الحالتين فان تلك الخيوط تمسك نسيج الجسم معا لمدة طويلة بما فيه الكفاية
تسمح بالالتئام. ولكنها تتحلل لدرجة أنها لا تترك موادا غريبة أو لا تحتاج إلى
عملية إضافية. ويمكن أن تسبب خيوط الجراحة القابلة للامتصاص التهابا بصفة عارضة
وقد يرفضها الجسم ولا يمتصها.
خيوط الجراحة غير القابلة للامتصاص تصنّع من
نوع مخصوص من الحرير أو من البولي بروبايلين الاصطناعي ومن البولي استر أو
النايلون. والأسلاك غير القابلة للصدأ تستخدم عادة في جراحات العظام، وتستخدم في
تقفيل الصدر في جراحات القلب. هذه الخيوط (الأسلاك) قد يكون لها أو لايكون لها
طلاء لمساعدة نوعية أدائها المتميز.
وقد تستعمل خيوط الجراحة غير القابلة
للامتصاص إما في تقفيل جروح الجلد - حيث يمكن إزالتها بعد أسابيع قليلة - أو
تستعمل في الظروف الداخلية الاجهادية –عندما تكون خيوط الجراحة القابلة للامتصاص
غير كافية أو غير مناسبة لهذا العبء. ومثال ذلك القلب (مع ضغطه وحركته المستمرين) أو
المثانة (مع ظروفها الكيميائية المعاكسة أو غير الملائمة للخيوط القابلة للامتصاص).
وغالبا ما تسبب الخيوط الجراحية غير القابلة للامتصاص آثارا أو ندوبا أقل مما تسبب
الخيوط القابلة للامتصاص، لأنها تستنفر أو تستفز من الجسم استجابات مناعية أقل،
وعلى ذلك فإنها تستخدم عندما يكون التجميل ضروريا. وينبغي أن تزال بعد وقت معين أو
تترك بصفة دائمة.
وتصنّع خيوط الجراحة بحيث يتراوح سمكها من
سمك "رقم1" إلى سمك "رقم 6". ويعتبر "رقم 1" هو
أقلها سمكا و "رقم 4 " يشابه في قطره أو سمكه خيوط مضارب التنس! والتقنيات
الصناعية التي بدأت من خيوط جراحية بسمك خيوط الآلات الموسيقية (القيثارة والعود
والكمان والجيتار والربابة..) لم تكن تسمح بثخانات أقل. أما بعد تحسين التقنيات
فقد أضيف السمك رقم "صفر (#0)" إلى أقطار خيوط الجراحة ، ثم أضيف الأدقّ
والأدق مثل ثخانة "رقم صفرصفر (#00)" حتى ثخانة " 6 أصفار (#6-0)"،
ثم أدق وأدق من ذلك حتى "11صفر (#11-0)"!
ويتراوح سمك خيوط الجراحة الحديثة بين "رقم
5" (وهى الخيوط الثقيلة التي تستعمل في جراحة العظام) إلى "رقم 11صفر"
( وهى الخيوط الدقيقة التي تستعمل في جراحة العيون). ولكي نتصور مدى سمك خيط
الجراحة فان خيط الجراحة رقم "6أصفار" بالمقياس الأمريكي قطره 1ر0
ملليمتر في خيوط جراحة الكولاجين (التجميل) وقطره 07ر0 ملليمتر في الخيوط
الاصطناعية، وخيط جراحة "رقم 4" بالمقياس الأمريكي قطره 8ر0 ملليمتر في
خيوط جراحة الكولاجين وقطره 6ر0 ملليمتر في الخيوط الاصطناعية.
وتصنّع مخايط (ابر) الجراحة بكافة أشكالها
لتتناسب مع كل أحجام الخيوط الجراحية.
وهكذا فقد علمنا أنّ خيوط الجراحة لا يصنع
إلا قليلها من السلك، فهي ليست سلكا! وإنما السلك يستخدم فقط في جراحة العظام وفى
تقفيل الصدر في جراحات القلب.
إذن فمن أين أتى تعبير "فك السلك" ؟
ومن أين أتى ذلك السؤال التقليدي الذي يتردد دائما عند زيارة مريض أجرى له عملية
جراحية ؟
لقد جاءت كلمة "السلك" من استخدام
خيوط "الحرير"!
باللغة الانجليزية!"Silk"إن كلمة "حرير"
بلغتنا العربية
أي أننا نستعمل كلمة انجليزية نعنى بها خيوط
الجراحة!
ولقد جاءت تلك الكلمة الانجليزية من استعمال
الحرير في خياطة الجروح.
الحرير الطبيعي الدنيوي التجاري لا يمكن
الحصول عليه إلا من تربية دودة الحرير (وهذه لنا معها وقفة بإذن الله).
كنا زمان في قسم الحشرات الاقتصادية في كلية
الزراعة بالإسكندرية نربى دودة حرير القز، وعندما يكتمل نمو الديدان (اليرقات) وقبل
أن تفرز الشرانق (الحرير) نقوم بتشريحها، ونستخرج منها غدد الحرير (وهى تحتل معظم
جسم اليرقة)، ونقوم بمط الغدة (لليرقة زوج من الغدد) مثلما تمط العلكة (اللبانة أو
المستيكة) إلى أقصى طول لها، ثم يتم معالجتها كيميائيا، ثم نقوم بتنشيرها في
الهواء النظيف حتى تجف وتتصلب فتصبح خيطا جراحيا (عودا) يتم بيعه للمستشفيات
لاستعماله في خياطة الجروح بعد تعقيمه!
هل عرفت أصل كلمة السلك في العمليات
الجراحية؟
متى يفك السلك ؟!
اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين
اللهم كلل جراحاتهم بالنجاح وبسرعة الالتئام
والشفاء
وسرعة فك السلك
اللهم وفق أطبائنا وجراحينا وبارك في أياديهم
وأصلح مابين أيديهم
مع خالص دعواتي لكم بالعفو والعافية في
الدنيا والآخرة
محمد هاشم عبد الباري
الرابع من صفر 1432 هجرية
8 يناير 2011
افضل شركة مكافحة بالمدينة المنورة
ردحذفان الشركة تقدم العديد من الخدمات التى يحتاجها اى مواطن مقيم داخل المدينة المنورة حيث نعلم مع دخول فصل
الصيف تنتشر الحشرات بكل انواعها فى منازلنا وشركتنا وتسبب لنا اذى كبير للغاية حيث نقوم بالتخلص من جميع الحشرات
مثل العته والبق والنمل الابيض والنمل الاسود والفئران والصراصير وجميع انواع الحشرات اذا كنت تبحث عن افضل شركة مكافحة بالمدينة المنورة
حيث نستخدم مبيدات حشرات على اعلى مستوىحيث نقوم بأبادة الحشرات بطرة نهائية دون رجوع للحشرات مرة اخرى وبعد عملية الابادة نقوم بعمل معاينة
مجانية للعميل بعد عملية الرش عزيزى العميل نحن نعاهدك على التخلص من الحشرات بصورة نهائية وفعالة فى انتظار استفسارتكوا
رش مبيدات بالمدينة المنورة
https://maliek.net/pest-control-medina/
الماهر
ردحذفشركة مكافحة حشرات دبى
مكافحة حشرات فى دبى