توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى يوم 5 يناير نسألكم الدعاء له بالرحمه والمغفرة

السبت، 1 يونيو 2013

مخاطر الاعتماد على استيراد القمح -3 ( الجزء الأول ) / أ . د محمد هاشم عبد البارى

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
 
مخاطر الاعتماد على استيراد القمح
 
مؤتمر " إنتاج القمح.. وأزمة رغيف الخبز " – نقابة الزراعيين بالإسكندرية – 24 مايو 2008
 
الأستاذ الدكتور / محمد هاشم عبد الباري
أستاذ الحشرات الإقتصادية
كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية
prof.m.hashem@gmail.com
 
1-3
خطورة دخول وانتشار مرض الارجوت   Ergot والتسمم به
 
تدخل رسائل القمح الأمريكى المستورد إلى مصر وهى تحوى أجساما سوداء متصلبة ناتجة عن إصابة المحصول المستورد فى حقول دولة المنشأ  بمرض فطرى خطير على القمح نفسه وعلى الإنسان والحيوان المستهلك لذلك القمح .  هذا المرض يسمى الإرجوت Ergot .   يرجع الإرجوت إلى مرض يصيب كثير من نباتات الحبوب والحشائش ،  ويتسبب عن أنواع عدة من الفطريات التابعة لجنس Claviceps .  الزهرة فقط هى التى تصاب من أجزاء النبات المختلفة ،  حيث ينمو الفطر بداخلها  الفطر.
 
يفترس الفطر مبايض أزهار القمح  والشعير الصغيرة السن وغيرها من المحاصيل النجيلية والحشائش النجيلية.  وفى النهاية فإنّ التركيب الذى يبقى على قيد الحياة هو تركيب أسود متصلب يشبه القرن فى الشكل  وطوله 1-5 سم ،  ويسمى بالقرن الصلبة أو القرن الحجرى Sclerotium ،  والذى يتكون داخل المبايض بدلا من الحبة.  وفى الخريف تسقط تلك القرون الصلبة السوداء على الأرض ، وتمضى فصل الشتاء فى التربة ، ثم تنبت وتطلق جراثيمها فى الربيع التالى حيث تنتشر تلك الجراثيم  بالرياح والحشرات لتهاجم المحصول التالى.  وعند حصاد المحصول تختلط القرون السوداء بالحبوب  المصدرة إلينا ليأكلها الانسان والحيوان فى غذاءه.  وتحتوى القرون الصلبة على قلويدات بعضها شديد السمية على الإنسان والحيوان الزراعى ، وبعض قلويداتها لها خصائص طبية.
 
المصريون يعرفون الإرجوت والذى لا يتكاثر جيدا فى ظروف الطقس المصرى الجاف ولذلك فهم فى مأمن منه طالما أكلوا قمحهم .  بعكس الحال فى الدول المستهلكة للشعير البرى فى شمال أوربا فى حقبة العصور الوسطى السابقة  حيث التسمم  بالإرجوت Ergotism ، والذى يعتبر مشكلة عرضية فى تكساس عندما تتغذى المواشى على الحشائش المصابة.
 
يحتوى الإرجوت على الإرجوتامين Ergotamine  الذى تم إنتاجه من الارجوت عام 1918.  الجرعات المتوسطة من الإرجوتامين تسبب تشنج ألياف العضلات الملساء مثل تلك الموجودة فى الشرايين الصغيرة .  ولقد استخدم الإرجوتامين لمكافحة النزف Hemorrahage ،  ولرفع انقباضات الرحم خلال عملية الولادة.  ويستعمل كذلك لعلاج الصداع النصفى ( وهو الاستخدام الأعظم فى تلك الأيام ).
 
فى الجرعات الكبيرة يشل الإرجوتامين أطراف الأعصاب المحركة للجهاز العصبى التعاطفى.    ويتسبب مرض التسمم الإرجوتى أو الإرجوتيزم ( وهو يسمى أيضا بمرض نار سينت أنطونيو St. Antony's fire ) بالتناول المفرط للإرجوت.   ويمكن أن يحدث ذلك بالإفراط فى تناول العقار أو بأكل مخبوزات ملوثة أو مصنعة من الدقيق الملوث كما كان يحدث فى أوربا فى العصور الوسطى. ( ويمكن أن يكون الإرجوتيزم خطيرا أيضا على الأبقار والماشية بأكلها الحبوب الملوثة بالإرجوت أو الحشائش المصابة بالإرجوت أيضا ).
 
يتميز التسمم الإرجوتى ( الارجوتيسم ) الحاد والمزمن بالارتباك العقلى ، والانتفاضات والتشنجات ، والتشنجات  العضلية Muscle cramps  ، والغنغرينا الجافة ، وتساقط الأنسجة و الأطراف ، والموت.   والعقار النفسى " لايسيرجيك أسيد داى ايثايل أميد"  والمعروف جيدا بعقار الهلوسة  LSD ينتمى كيميائيا إلى الارجوتامين .  ولذلك فإن التسمم الإرجوتى يتضمن الهلاوس أيضا.  وبالرغم من أنّ تقارير الإرجوتيسم أو التسمم الإرجوتى فى الحيوانات الزراعية تختلف من عام إلى آخر فى الولايات المتحدة تبعا لهطول الأمطار ودرجة الحرارة ،  الا أن التسمم بتلك السموم الفطرية  Mycotoxicosis   يحدث فى  المناطق المنتجة للحبوب فى  السهول الشمالية فى معظم الأعوام.   وهناك ثلاثة أعراض متلازمة وصفت فى تسمم الحيوانات:  التسمم الإرجوتى للجهاز العصبى ،  وغنغرينا التسمم الإرجوتى ،  وانقطاع إفراز اللبن من الضروع Agalactosis .
 
بقى أن نعرف أنّ فطر الإرجوت  Claviceps purpurae يعتبر من الآفات غير الموجودة فى مصر، ولا يجوز دخولها البلاد
(الوقائع المصرية –  العدد 112 – ص 8 –  بتاريخ 19 مايو 2002)، ولكن قرون الإرجوت السوداء الصلبة – التى تنبت فى الأرض فى الظروف الملائمة وتصيب جراثيمها محاصيل القمح والشعير والذرة الرفيعة والحشائش النجيلية، والتى يسبب تناول الإنسان والحيوان لها بالتسمم الإرجوتى الموضح عاليه - تدخل هذه القرون مع جميع رسائل القمح الأمريكى المستورد.  ومن الجدير بالذكر أنّ مصر لا تستورد إلا الأقماح من الرتبة الثانية.   وقمح الولايات المتحدة من الرتبة 2
( U.S. No.2 ) والذى تستورده مصر لا يعتبر إرجوتى Ergoty – من الناحية التجارية - أى ملوث بالإرجوت ،  إلا إذا احتوى على أكثر من 05و0 %  وزنا من قرون الإرجوت.   معنى ذلك أنّ القمح الأمريكى المستورد لا غبار عليه – تجاريا -  مادام يحتوى على 05و0 %  أو أقل وزنا  من قرون الإرجوت الصلبة السوداء المسببة لكل تلك الأخطار المروّعة المشار اليها.   أى أنه لا غبار على هذا القمح الأمريكى المستورد  مادام  يحتوى على 500 طن أو أقل  من الإرجوت فى كل مليون طن نستوردها ،  أى يحوى 3500 طن أو أقل فى السبعة ملايين طن التى نستوردها .  ولقد كانت النسبة المنصوص عليها 3و0 %  حتى وقت قريب (2005) ، أى كانت النسبة المسموح بها ستة أضعاف النسبة الحالية المسموح بها ،  فلك أن تقدر آلاف الأطنان من تلك المواد السامة التى دخلت من قبل.  وتنتشر هذه الآلاف من أطنان الإرجوت الأمريكى المدمر فى أراضينا ،  وتأكلها مواشينا وطيورنا، ونأكلها نحن وأطفالنا،  دعما للمزارع الأمريكى، وفى سبيل مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.  ألسنا فى غنى كامل عن تلك المخاطر والأخطار التى تحدق بنا باستيراد القمح الأمريكى أو الأوربى أو الأسيوى  ، اذا ما انتبهنا الى مصالحنا نحن وليس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وزرعنا قمحنا وأكلنا من عمل يدنا.
متى نفيق؟
 
ولكننا نبغى إلقاء بعض الضوء على مزيد عن هذا الإرجوت.
ذلك ما سوف نلقى عليه بعض الضوء فى الحلقات القادمة
إن شاء الله
 
محمد هاشم عبد الباري
11 رجب 1434ه
21 مايو 2013م
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق