بسم الله الرحمن الرحيم
مخاطر الاعتماد على استيراد القمح
مؤتمر " إنتاج القمح.. وأزمة رغيف الخبز " – نقابة الزراعيين بالإسكندرية – 24 مايو 2008
الأستاذ الدكتور / محمد هاشم عبد الباري
أستاذ الحشرات الإقتصادية
كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية
prof.m.hashem@gmail.com
2-3
لأول مرة فى تاريخ مصر
رئيس مصر يحتفل بحصاد القمح
قال فخامة الرئيس المصري الأستاذ الدكتور محمد مرسي إنّ بلاده وهي أكبر مستورد للقمح في العالم تريد التوقف عن استيراد القمح في غضون أربع سنوات والاعتماد على إنتاجها المحلي المتزايد.
وقال مرسي خلال احتفال بموسم الحصاد في حقل للقمح بالقرب من مدينة الإسكندرية في شمال البلاد:
"المعدلات عالية وممتازة"
وأضاف فخامته:
"نستهدف خلال سنتين أن نصل إلى 11.5-12 مليون طن، وبذلك نحقق أكثر من 80 بالمائة من احتياجاتنا. ونستهدف في أربع سنوات ألا نستورد قمحا إن شاء الله."
وقلصت مصر - التي تشهد أزمة اقتصادية ومالية شديدة بعد اضطرابات سياسية استمرت عامين - واردات القمح معوّلة على المحصول المحلي، وتعزيز كفاءة التخزين، لتوفير الخبز المدعم لسكان البلاد الذين يبلغ عددهم 84 مليون نسمة.
الحمد لله رب العالمين
الإرجوت
الإرجوت هو فطر يوجد طبيعيا ويعيش متطفلا على القمح.
تدور حاليا معركة لإيقاف اندساسه في سلسلتنا الغذائية.
وفى لسان العرب عُرف الإرجوت بالشِّقرانُ، وعرّفوه بأنه: داء يأَخذ الزرع، وهو مثل الوَرْسِ يعلو الأَذَنَةَ ثم يُصَعِّ في الحب والثمر. والشِّقِرانُ: نبت (* قوله: «والشقران نبت).
قرون الشقران (الإرجوت) الحجرية السوداء تحل مكان الحبوب في سنبلة القمح
إنه ليس مجرد كارثة أو مصيبة للمزارعين عندما يصيب محاصيلهم، إنه يمكنه أيضا قتل البشر. وهناك أدلة على أنه يمر خلال المطاحن وينتهى على أرفف المحال.
إنه سبب طاعون القرون الوسطى، ويُزعم بأنه سمم أوليفر كرومويل Oliver Cromwell .
الآن قد عاد الإرجوت مرة أخرى بشكل ساخر، لأنّ المزارعون قد باتوا أكثر صداقة للبيئة.
المشاكل الصحية
قيل أن النزعة العنيفة لأوليفر كرومويل جاءت من أكل خبز الجاودار "الراي rye" عندما كان يعيش في فنلندا (كان أوليفر كرومويل قائدا عسكريا وسياسيا إنجليزيا، اعتبره نقاده أحد القادة الديكتاتوريين، يُعرف بأنه هزم الملكيين في الحرب الأهلية الإنجليزية. جعل إنجلترا جمهورية وقاد كومنولث إنجلترا. وُلد في 25 أبريل 1599 وتوفي في 3 سبتمبر 1658).
كانت الحالة الوحيدة التي سُجلت فى انجلترا عن القتل بالإرجوت فى عام 1762 عندما تسممت زوجة أحد العمال وستة أطفال لها وماتوا بالإرجوت ، ويحتمل أنّ العائلة كانت قد تناولت خبزا ملوثا بالفطر.
لقد رسمت التسجيلات الرسمية أعراضا رهيبة للضحايا تضمنت أيْدى مسودّة ومتقرحة وأطرافا متعفنة ولحما منفصلا عن العظام.
وهناك لافتة معدنية تسجل المأساة في بهو الكتب في كنيسة "سانت نيكولاس" في دائرة "أوي تشام" المدنية في إنجلترا.
ولكن، وبالرغم من السمعة القاتلة للإرجوت فإن له منافع طبية.
إنه يستخدم على نطاق واسع في ولادة الأطفال، وهو مسكن للصداع النصفي.
إنّ التلوث بالإرجوت بتركيز 1 % يمكن أن يؤدى إلى أعراض التسمم بالإرجوت، بينما يعتبر تركيز 7 % كافيا ليسبب الوفاة.
وهناك استعمال آخر للإرجوت، وهو يستعرض مدى خطورته الممكنة، لقد استعمل لعمل عقار الهلوسة "ل.س. د. LSD"
احتياطات ضرورية
إنّ اهتمام المزارع "هاري رابي " خارج "هنتيجدون "Huntingdon عظيم للغاية حول الإرجوت، حتى أنه استعان بعالم في المحاصيل للحصول منه على التوصيات بالاحتياطات اللازم أخذها في الاعتبار حيال إصابة محاصيل الحبوب لديه.
كانت أكوام الحبوب تفحص وتعاين بعد الحصاد.
فلقد كانت آثار من الإرجوت في تلك المرحلة تعتبر أخبارا سيئة للمزارع.
ولكن لم تعد هناك أهمية حول حرص هؤلاء المزارعين ، فلقد اخترقهم الإرجوت!
لقد اعتاد "تشارلز لوكر " أن يكون مزارعا بارعا. بمجرد أن التقط عينة السم القاتل في بعض القمح الذى أحضرته له ابنته، فكر في أنّ ابنته قد تمرض مرضا خطيرا.
لقد تم تحليل عينات الإرجوت في مختبر زراعي. يقول دكتور "دافيد كينون " عالم أمراض النبات: لقد نبّهت الى أن مثل تلك الكمية الكبيرة من الإرجوت يمكن أن تؤخذ في السلسلة الغذائية.
ضغوط لجرعة خَضار ولكن بتكاليف
بينما يُحَفّز المزارعين فى الغرب اليوم على جعل وجه دولهم أكثر طبيعية وأكثر خَضَارا، فإن البعض يعتقد أنّ الضغوط من أجل المزيد من الخَضَار تجلب خطورة متزايدة للإرجوت تجعل العائد غير مرغوب فيه.
إنّ علماء أمراض النبات ((plant pathology يعكفون على دراسة كيفية جعل القمح مقاوما للإرجوت. إنّ تلك المساحات من الحشائش البريّة على حواف الحقول تشجع الحيوانات البريّة، ولكنها يمكن أيضا أن توفر الموطن الذى يكثر فيه احتمال وجود الإرجوت.
إنّ المعهد الوطني للنبات الزراعي في كمبردج يقود السباق لتطوير العلم الذى يمكنه تدبير كل ما تلقيه الطبيعة الأم في أيدينا.
الرقص القاتل
في أحد أيام يوليو الساخنة من عام 1518 كانت امرأة تسمى "السيدة تروفيا "Frau Troffea قد خطت داخل شارع ضيق في ستراسبورج في فرنسا وبدأت في رقص متوهج ساهر استمر بين أربعة إلى سته أيام. وفى نهاية الأسبوع كان هناك 34 آخرون قد انضموا إليها، وفى خلال شهر تضخم عدد الراقصين المتزاحمين على قدم واحدة والمتقافزون المتزاحمون حتى وصل الى 400 شخص.
ولقد وصف المؤلفون "مزيدا من الرقص" لشفاء هؤلاء الهائجين، ولكن بنهاية فصل الصيف فإنّ العشرات في مدينة "السيشيان "Alsation كانوا قد ماتوا بالنوبات القلبية والجلطات والإعياء التام جرّاء الرقص المستمر غير المتوقف.
ولقرون، فان تلك الحادثة الغريبة والمعروفة بأشكال مختلفة "بالطاعون الراقص" أو "وباء 1518" قد أربكت العلماء الذين حاولوا إيجاد سببا لذلك العقل المجنون، وهو الرقص الأخير القاتل. ولقد درس المؤرخ "جون وولر - "John Waller مؤلف كتاب "وقت الرقص، وقت الموت: القصة الاستثنائية للطاعون الراقص عام 1518" دراسة مطوّلة، وحاول حلّ اللغز.
"ذلك بأنّ الحادثة التي حدثت لا جدال فيها"، يقول "وولر" الأستاذ بجامعة ولاية ميتشجان، والذى ألّف أيضا بحثا في نفس الموضوع والذى قُبل للنشر في مجلة "إنديفور "Endeavour.
لقد شرح وولر السجلات التاريخية الموثقة للموت الراقص كملاحظات طبية، وكعظات كنسية، وكأسفار إنجيلية محلية وإقليمية، وحتى كملاحظات أصدرها مجلس مدينة ستراسبورج خلال قمة الغضب. "كل ذلك واضح حول حقيقة أنّ الضحايا قد رقصوا"، "وهؤلاء لم يكونوا مجرد أنهم يتشنّجون أو يهتزون أو يتلوّون، بالرغم من أنهم كانوا يدوخون، وكانت أذرعهم وأرجلهم كما لو كانوا يقصدون الرقص"، قال وولر.
الأسباب المحتملة
"يوجين باكمان "Eugene Bachman مؤلف كتاب "الرقص الديني في الكنائس المسيحية وفى الطب الشعبي" عام 1952 بحث في الأصل البيولوجي والكيميائي في هوَس الرقص. ولقد اعتقد باكمان والخبراء الآخرون في ذلك الوقت أنّ التفسير الأكثر قبولا كان هو الإرجوت، وهو عفن ينمو على أعواد نباتات الجاودار الرطب rye) ) (محصول حبوب كالقمح). وعندما يستهلك في الخبز دون دراية فإن ذلك العفن يطلق تشنجات عنيفة وأوهاما"، ولكنها، يقول وولر "ليست حركات متناسقة ولا منتظمة، ولكنها تدوم عدة ايام".
قرون الرقص الحجرية للإرجوت ومعها حبة قمح
بينما يقترح عالم الاجتماع "روبرت بارثولوميو "Robert Bartholomew في جامعة "جيمس كوك" في أستراليا نظرية أنّ "الراقصون كانوا يؤدون طقوسا مبْهجة لمقاطع هرطوقيه"، ولكن وولر يعارضه: "لا يوجد أي دليل على أنّ الراقصين كانوا يقصدون الرقص".
"وعلى النقيض"، يضيف وولر: "لقد كانوا يعبّرون عن الخوف والاستهتار وفقدان الأمل" بناء على البيانات المكتوبة.
"إنّ سلسلة من المجاعات نجمت عن أشتية قارسة البرد، وأصياف قائظه، ومحاصيل ضربها الصقيع المفاجئ، وعواصف باردة مروعة، سبقت الرقص الجنوني"، قال وولر. ولقد أعقب ذلك موجات من الموت جرّاء سوء التغذية. الناس الذين بقوْا على قيد الحياة غالبا ما كانوا يضطرون إلى ذبح كل حيواناتهم الزراعية والاقتراض، وأخيرا هاموا على وجوههم في الشوارع. وانتشر الجدري والزهري والجذام، وحتى قد انتشر مرض جديد كان يعرف باسم "العرَق الإنجليزي The English sweat" الذى اكتسح المنطقة كلها. (مرض التعرّق، ويعرف أيضا "بمرض التعرّق الإنجليزي"، أو "العرَق الإنجليزي" ، وباللاتينية سودر أنجليكاس sudor anglicus . كان مرضا غامضا شديد الضراوة، ضرب انجلترا ثم لاحقا القارة الأوربية في سلسلة من الأوبئة ابتداء من عام 1485 وكان آخر أحداثه قد اندلعت عام 1551. اختفى بعد ذلك المرض على ما يبدو. وكان ظهور الأعراض مثيرا ومفاجئا، وكان الموت يحدث غالباً في غضون ساعة. سببه لا يزال غير معروف).
ويقول وولر "لقد سيطرت المخاوف والقلق الكاذب على المنطقة، ولقد نشأ أحد تلك المخاوف من أسطورة للكنيسة المسيحية مفادها أنه اذا أثار أي شخص غضب "القديس فايتاس "Saint Vitus الذى استشهد في عام 303 بعد الميلاد، فانه سوف يُطرد ويُصاب بالرقص الإجباري!!!
ولذلك فإنّ وولر يعتقد أنّ الظاهرة التي تسمى "المرض الجماعي نفسى المنشأ" هو شكل من أشكال الهيستريا الجماعية يسبقها عادة مستويات غير محتملة من المحن النفسية تسبب وباء الرقص.
الهيستيريا الجماعية
يقول "ايفان كروجر"Ivan Crozier المحاضر في وحدة الدراسات العلمية في جامعة أدنبره ل "ديسكفري نيوز" إنه يتفق تماما مع استنتاجات وولر.
"إنّ الشروحات الثقافية مع وجهة النظر القرينية للحالات التي عاش فيها الناس في ذلك الوقت على نهرى "الراين والموسل" قاطعة، وهى تعلو على الحُجج حول الإرجوت، وهو المركب الذى يشبه عقار الهلوسة LSD "، يقول كروجر، ويضيف: "الإرجوت أعطى الناس الرؤى والمشاهد وليس الطاقة للرقص". ويُعتبر كروجر مرجعا عالميا أيضا لوباء هيستيري جماعي وهو "الكورو Koro".
شاهد في دولة ألمانيا اليوم، في مدينة "كوبلينز"، نقطة التقاء نهرى "الراين"، القادم من أعلى الصورة، و"الموسل"، النصف الأسفل من الصورة. النهران اللذان شهدا على شواطئهما أحداث داء الأرجتة والهستيريا الجماعية في عصور الظلام الفرنجي، وسبحان الذى يغير ولا يتغير. لاحظ الفرق الكبير الواضح في لون المياه والحد الفاصل بين مياه النهرين، وسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم. انّ نهر الراين في أوربا يمر عبر سويسرا وفرنسا وألمانيا وهولاندا، وهو يعتبر أحد أهم وأطول الأنهار في القارة الأوربية العجوز.
فمنذ 300 سنة قبل الميلاد على الأقل انتشر طاعون "الكورو"، وهو خوف غير منطقي من قِبل الذكور أن يُسرق من أحدهم أعضاءه التناسلية أو تنكمش تلك الأعضاء انكماشا قاتلا داخل جسمه. كان ذلك خلال مناطق مختلفة من العالم، وبخاصة في كل مكان في إفريقية وآسيا. ولقد حدث ذلك فى عصرنا حديثا جدا، وهو الوباء الذى نشب في عام 1967 ووُثق في مجلة "سنجابور ميديكال جورنال"، فدفع أكثر من 1000 رجل إلى أن يستعملوا خوابير وكُلّابات (كلبشات) على أمل حماية أنفسهم من قبضة تلك المخاوف!
"في كلتا الحالتين نحن نرى قضية ثقافية تؤثر على السلوك الجمعي"، قال كروجر موضحا أنّ الخرافات السالفة والمخاوف والمعتقدات المحيطة بكل من وباء "الكورو" و"الرقص" قد أدّيا معتقدات انقلبت إلى فعل جمعي".
ولقد أوضح وولر أنّ الضحايا يدخلون غالبا في حالة نشوة لا إرادية تزداد سوءا بالضغوط النفسية وتوَقّع الاستسلام لحالة مغايرة. "وعلى ذلك، ففي المجموعات التي تخضع لشدة وحرمان اجتماعي واقتصادي صارمين فإنّ النشوة يمكن أن تكون مُعدية الى حد كبير".
مزيدا من الرقص والضحك القاتلين
لقد نشب وباء الرقص سبع مرات على الأقل في العصور الوسطى في أوربا، وكان غالبا في المناطق حول ستراسبورج. وفى التاريخ الحديث كان النشوب الأكبر قد حدث في مدغشقر في أربعينات القرن التاسع عشر. وبناء على تقارير طبية فقد وصفت الحالات: "الناس يرقصون بوحشية في حالة من النشوة مما يُقنع بأنهم قد استحوذت عليهم أرواح"!
وربما الحالة غير النادرة الموثقة لمرض جماعي نفسى المنشأ كان هو الضحك التانجانيقى الوبائي في عام 1962. فلقد وصف البحث الذى نشر في العام التالي في "ذا سنترال أمريكان جورنال أوف ميديسين" ما الذى حدث.
لقد انفجرت الحالة بنكتة وسط الطلاب في سكن طلاب تانزانيا فبدأت الفتيات الصغيرات بالضحك غير المنضبط. في البداية كانت هناك تدفقات من الضاحكات والتي امتدت إلى ساعات ثم الى أيام.
لقد عانت الضحايا، وهنّ فعليا كنّ كلهن إناث، من الألم، والخوار، والإغماء، ومشاكل تنفسية، وطفح جلدي، ونوبات بكاء. كل ذلك كان متعلقا بالضاحكات الهيستريات. ولإثبات المثل القديم بأن الضحك يمكن أن يكون معديا فإن الانتشار الوبائي إلى آباء وأمهات الطالبات وبالمثل إلى المدارس الأخرى والقرى المحيطة كان كالنار في الهشيم. لقد مرّ ثمانية عشر شهرا قبل أن يتوقف الضحك الوبائي!
نعمة الإسلام ونعمة العقل
بناء على عالم الأوبئة "تيموثى جونز"Timothy Jones الأستاذ المساعد السريري (الكلينيكي) للطب الوقائي بجامعة "فاندربيلت "Vanderbilt بكلية الطب جامعة فاندرفيلت، والذى كتب أيضا تقريرا عن حالة هستيريا في بلغاريا عقب استهلاك شراب مرطّب، أنّ نشوب الأمراض نفسية المنشأ يحتمل أن يكون أكثر شيوعا عما نقدّره حاليا، والكثير منها ينتهى دون تقديره حق التقدير". جامعة فاندربيلت (أو فاندى) هي جامعة أبحاث خاصة تقع في ناشفيل، تجنيسي، في الولايات المتحدة، وأسست عام 1873.
ويوصى جونز بأن يعالج الأطباء تلك المشاكل: "حاول أن تفصل الأشخاص المرضى المرافقين أو المتزاملين في ذلك الفوران الناشب، استمر في الاختبارات لاستبعاد الأسباب الأخرى، تابع وزوّد بالأكسجين لزيادة التهوية، حاول ان تجعل القلق في حده الأدنى، بلغ المسئولين عن الصحة العامة، والتمس أن تؤكد للمرضى أنّ أعراضهم هي حقيقة شائعات وأن التقارير عن الحالات لا ترقى لدرجة النتائج المؤكدة".
وبصرف النظر عن الأهمية الطبية فإن وولر يعتقد أن تلك الأوبئة، وبخاصة تلك التي حدثت في القرون الماضية، "ذات قيمة تاريخية هائلة."
لقد قال ، وهذه وجهة نظره، بأن طاعون الرقص "يحكى لنا الكثير جدا عن الطبيعة الخارقة غير العادية للناس السابقين في العصور الوسطى (يقصد الرقص المتواصل!)، ولكنها تعلن أيضا عن التطرف الذى يؤدى إليه الخوف والسلوك غير المنطقي الذى يمكن أن يقودنا"، وأضاف وولر: "إنّ حوادث قليلة من وجهة نظري هكذا تعرض القوى الكامنة غير العادية للعقل البشرى".
ولكن هل يمكن أن نعود بذاكرتنا ما يزيد عن 14 قرنا من الزمان الى صدر الاسلام ودعوة رسولنا الكريم الى التوحيد؟ لقد قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: "لما رأت قريش أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلو والأمور تتزايد، أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة. فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب فإنه ظاهَر قريشاً على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه في شِعْب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيّقاً عليهم جداً، مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجَهْد، وسُمِعَ أصوات صِبيانِهم بالبكاء من وراء الشِّعب".
لقد صَورت هذه المقاطعة قمة الأذى والظلم الذي لقيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه طوال سنوات ثلاث، ومع ذلك لم يكن هناك رقصا ولا ضحكا هيستيريا فى تلك المحن البالغة القسوة والتى اقتات فيها الصحابة رضوان الله عليهم على ورق الشجر، بل كان فيها من الصبر الجميل والاصرار والخير والدروس الكثير.
ولا ننسى أبدا فى عصرنا هذا المقاطعة الغربية الدولية الجائرة للعراق والحصار الشامل برا وبحرا وجوا والذى استمر لعقد من الزمان فمنعوا عنهم حتى الأدوية ثم بعد سنوات شرعوا لهم النفط مقابل الغذاء فكان الموت المليونى للأطفال والتشوهات الخلقية جراء أسلحة اليورانيوم المنضّب. ولقد رأينا ولا نزال نرى الحصار اللاإنساني المقيت على قطاع غزة الذى استمر سنوات طويلة وحتى الآن لأنها اختارت مقاومة العدو الصهيوني واختارت حكومة إسلامية.
إن هذا الحصار الظالم الذي فرضه العدو على المسلمين، كان من التحديات التي واجهت المسلمين قديماً وحديثاً، وهو أسلوب يلجأ إليه العدو عندما لا يتمكن من مقابلة الحجة بالحجة، أو المواجهة، وهدفه من ذلك القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطه الظالمة، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن المسلمين يستمدون قوتهم من الله تعالى، وهم يتمسكون دائماً بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه أمام هذه المقاطعة وغيرها.
ولقد رأينا المجاعات في الصومال وفى النيجر ونعيش محنة الشعب السوري الذى نكب في رئيسه المجرم الذى أعمل جيشه وشبيحته تقتيلا واغتصابا لنسائه وحصارا بالسلاح والقصف ليلا ونهارا حتى أنه يقصف المخابز لقتل أفراد شعبه وحرمانهم من الغذاء، ونعيش نكبة اخواننا المسلمين فى بورما وتقتيلهم بعشرات الألوف.
إنّ كل تلك المحن التي عاشها ولاقاها المسلمون على مر العصور والعهود كانت ولا تزال تمر عليهم وهم في ثبات من الدين والعقل ولم يتناهى الى سمعنا مرة واحدة أنهم أصيبوا بهيستيريا جماعية ولا برقص متوحش أو غير متوحش طويل أو قصير. لم تختل عقولهم ولم ينحرف ايمانهم ولم يهتز ثباتهم أمام المحن والخطوب، ولم تستحوذ على عقولهم أساطير ولا خرافات ولا أكاذيب ولا شائعات ولا ثقافات منحرفة.
اننى أعقّب بذلك على المؤرخ "جون وولر"، ولكنني لا أنسى هؤلاء المتدروشون الذين يسمون أنفسهم بالمتصوفين. انهم مسلمون انحرفوا بدينهم وعقيدتهم وشرعوا منهما ما لم يأذن به الله وابتدعوا حتى الرقص الجماعي وسموه "الذكر" أو "الحَضْرة"! ولا أتناسى هؤلاء الذين يضربون صدورهم وظهورهم بالآلات الحادة في نوبات هيستيرية في مناسبات يعتبرونها دينية ابتدعوها واتّبعوها. ولكن حتى هؤلاء وهؤلاء لا يختل لهم عقل ولا تنحرف لهم عقيدة ولا يصيبهم هوَس اذا ما خضعوا لشدة أو حرمان فهم يكتفون بما هم فيه!
المزيد عن الشقران (الإرجوت) وكيف كان تأثيره الهائل على أوربا والغرب
فى الحلقة القادمة بإذن الله
محمد هاشم عبد البارى
13 رجب 1434ه
23 مايو 2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق