بسم الله الرحمن الرحيم
من ذكريات بعثة الدكتوراه...
أنا والسفير والسفارة والويسكي!
الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري
^^^^^^^
بعد اتفاق فض الاشتباك الثاني مع العدو الصهيوني، بعد حرب العاشر من رمضان، تمّ تسريحي من الجبهة في أبريل 1974 فعدت إلى وظيفتي المدنية كمدرس مساعد بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية. تسلمت عملي واستأنفت نشاطي في التدريس بالكلية. كنت حاصلا على درجة الماجستير قبل الحرب وكنت مسجلا للتحضير للدكتوراه في علم الحشرات الاقتصادية ومتخصصا في فسيولوجيا الحشرات. كنت قد قطعت شوطا كبيرا في دراسة الدكتوراه في جامعة الإسكندرية عندما رشحت لبعثة إلى اليابان للدكتوراه ولكن سلبت منى تلك البعثة وأعطيت لمن لا يستحقها غيري، ولكنّ لذلك قصة أخرى. وكنت مرشحا لدراسة الدكتوراه في يوجوسلافيا فوجدت نفسي محاصرا بين السنين التي تمضى وبين استدعاءات شئون ضباط المدفعية على فترات متقاربة، فاضطررت إلى السفر لانجاز الدكتوراه في سلوفينيا-يوجوسلافيا. حصلت على موافقة شئون ضباط القوات المسلحة للسفر وسافرت، ومع ذلك أرسلت لي القوات المسلحة استدعاء للتدريب بعد سفري!
كانت دراسة الماجستير في جامعة الإسكندرية في فسيولوجيا الجهاز العصبي وكانت الدكتوراه في جامعة ليوبليانا فى سلوفانيا عن حركة الكولين عبر الأغشية الخلوية للجهاز العصبي في الحشرات، وكان ذلك في كلية الطب وكانت أول دراسة في ذلك الموضوع في العالم، ولذلك فقد كنت سعيدا ومنسجما برغم أنّ الموضوع كان هو أول عسعسة في تلك النقطة الدقيقة الجديدة المثيرة. واصلت الليل بالنهار، وكنت أحلم في السويعات التي أنامها بنتائج التجارب المذهلة ولا يهدأ لي بال إلا بعدما أحصل على نتائج التجارب فأجدها مبهرة وتقربني إلى الله. لقد كنت أرى الله تبارك وتعالى في دراستي كما كنت أراه جلّ شأنه في كل شأني وحتى اللحظة. كنت قد سافرت في مايو 1975 وكانت النتائج تتحقق يوميا.
ما أن اقترب شهر ديسمبر من نفس العام إلا وقد أخذت خطابات غريبة من زملاء مصريين من جميع جامعات يوجوسلافيا في التقاطر والتواتر والتلاحق على بريدي في كلية الطب، وكنت أجدها تقريبا يوميا على مكتبي في المعمل. لقد كنا في جامعة ليوبليانا خمسة فقط مصريون يحضّرون الدكتوراه في مجالات مختلفة، منها الرياضيات البحتة ومنها الكومبيوتر ومنها الهندسة الالكترونية ومنها الفيزياء (كان الكومبيوتر في ذلك الوقت يستغرق حجرة ضخمة لا تقل عن 6x6 متر! وكانت الآلة الحاسبة الالكترونية في أولى سنواتها!). كانت تلك الخطابات العجيبة كلها تبدأ بالتعارف والسلامات والتحيات وعرض الخدمات والمساعدات (غير المطلوبة) ثم تنتهي بطلب صغير. كان الطلب الصغير هو القاسم المشترك بين كل تلك الخطابات والتعارف المفاجئ. كان الطلب هو رجاء حار وملح ويرقى إلى درجة الاستجداء بسبب الزنقة والورطة والظروف الصعبة والاضطرار! صحيح أنني يتملكني الخجل والعار عندما أكتب عن ذلك، ولكنها كانت هي الحقيقة المخجلة والواقع المؤلم والمهانة التي لا نظير لها، ولكن ينبغي أن أقولها للتجنب والتعلم والاعتبار وان تأخرت في قولها. كان الطلب القاسم المشترك يكاد أن يكون بنفس الألفاظ وكأنهم كانوا يتفقون فيما بينهم، مع بعد المسافات بينهم وضعف وسائل الاتصال في ذلك الوقت بالمقارنة بوقتنا الراهن، فلم يكن هناك فاكس ولا شبكة عنكبوتية ولا هواتف جوالة ولم نكن حتى نحلم وقتها بأي من ذلك أو نتخيّله.
كانت العبارة المشتركة بعد السلام والتحية وعرض الخدمات في كل تلك الخطابات هي:
"أنا أعرف انك لا تشرب الخمر ولا تتعامل مع الخمر، وأنا مزنوق وأوشكت أن أناقش رسالة الدكتوراه ، أو أريد تحسين علاقتي بالمشرف، أو المشرف مضايقنا، أو..، أرجوك أن تكتب "للسفارة" لتتنازل لي عن "حصتك" في "الكنت والويسكي" فأنا في أشد الحاجة إليها لتقديمها للمشرفين"!!!!!!!
صحيح أنني لم ولا ولن أشرب ذلك الزفت. وصحيح اننى أخاف الله وأحب الله وأحب شريعته التي ارتضاها لنا الله وارتضيتها ورضيت وسعدت بها بعد أن ورثتها عن أبى وأمي، وصحيح أنني أعلن وأجاهر باحترامي وتعلقي وحبي لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنني في نفس الوقت أكره الخمر. وصحيح أنني كنت أضطر إلى الدخول في مناقشات مع الخواجات بخصوص الخمر ولكن ذلك كان شيئا عاديا ومعتادا لشخص مسلم وجد نفسه أو وجدوه في بيئة غير مسلمة تعاقر الخمور. حتى ولو كان ذلك المسلم شاربا للخمر ومتماشيا معهم فهم لا يتركوه دون نقاش، فهم يعرفون تحريم الخمر في الإسلام ولكن ربما يعقبون استنكارا ودهشة على معاقرة ذلك المسلم للخمر. لقد بلغت النقاشات معي درجة أن يقولون لي أنّ رئيسك "البريزيدنت سادات" يشرب الخمر ويرقص فلماذا لا تفعل أنت ذلك؟! كنت أقول لهم أنّ الله سوف يحاسب "البريزيدنت سادات" عن نفسه في مسألة شرب الخمر ولكنّ الله سوف يسألني أنا عن نفسي في شرب الخمر. ذلك أنهم لا يدركون –أن قلت لهم – أنّ الله سوف يحاسب السادات وغيره من حكام المسلمين عن انحرافاتهم عن شريعته تبارك وتعالى، فهم قدوة لشعوبهم. وفى الحقيقة أنا لا أدرى على ماذا ولا على ماذا سوف يسأل الله حكامنا؟ ولكنني أدرى أنّ الله قال لنا في سورة الكهف:
"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا"
(سورة الكهف: آية 49)
لقد كان هؤلاء الخواجات المساكين يتحدونني مشيرين إلى سنوات بقائي المنتظرة معهم بأنني في النهاية لن أستطيع مقاومة الخمر وسوف أرضخ!!! كانوا يعتمدون على عامل الزمن وعلى عامل المحيط. ولكنهم كانوا واهمون كل الوهم، فلم يكونوا يعرفون أن شريعة المسلم وشريعة الإسلام هي أقوى وأبقى ليس من الإنسان وليس من الحكام وليس من الممالك وليس من الإمبراطوريات فحسب ولكنها أقوى من الزمن نفسه، وأن المسلم يحيط نفسه بوقاء من لدن الله أقوى من الطبيعة كلها المحيطة به.
عرضت أول خطاب عجيب وصلني من تلك الخطابات على اخوانى الزملاء في جامعة ليوبليانا فشرحوا لي الأمر (وكنت أنا قد سبقتهم جميعا في الوصول والدراسة في ليوبليانا ولكنني لم أكن أدرى بالأمر!). أفهموني أن "السفارة المصرية" في بلجراد – مثل بقية السفارات – لها "حصة" "مدعمة" "شهرية" من "الويسكي وسجاير الكنت"، وأنّ "السفارة المصرية" في بلجراد "تتنازل" في شهر ديسمبر من كل عام عن "جزء" من تلك "الحصة المدعمة" "لأبناء السفارة" من المبعوثين لدراسة "الدكتوراه" "لإهداء السجاير والويسكي" للمشرفين على دراساتهم بمناسبة "أعياد الكريسماس"!!!!!!!
ولكن، كيف كان هؤلاء الزملاء الدارسين الذين لم يعرفوني وحتى لم يروني يعلمون بأنني لا أتعامل مع الخمر؟ أقسم بالله بأنني حتى اليوم لا يزال يدور في خلدي ذلك السؤال دون إجابة منطقية. ولكنّ على أية حال هؤلاء الإخوة المساكين لم تنفعهم درجاتهم العلمية ولا دراساتهم العالية في إدراك أنّ من لا يتعامل مع الخمر لا يتنازل أيضا عن "حصته" في الخمر!!!!!!!
كنت أردّ على تلك الخطابات المترنحة الباكية المبكية بمحاضرات تستغرق الكثير من وقتي في كتابتها لكي أشرح لهم تحريم شرب الخمر ونقلها وحملها وإهدائها وصناعتها والاتجار بها وتداولها على المسلمين. وكنت أشرح لهم أيضا كيف أن النهى والتحريم يشمل أيضا "التنازل" عنها للغير لأنها أصلا لا يجب أن تكون في حوزة المسلم. وكنت الخّص الأمر بأنني لا آخذها ولا أتنازل عنها! لم أكن أتلقّ ردودا على ذلك، ولكن في العام التالي انخفض معدّل توارد تلك الخطابات ثم انعدمت في العام الذي يليه!
لم تكتمل ثلاثة سنوات عندما أتممت أبحاث الدكتوراه. فقد بدأت الدراسة في مايو 1975 وأنجزت الدراسة وناقشت الرسالة واعتمدت في أول أبريل 1978 وأشارت إليها الصحف المحلية.
حاولت كلية الطب استبقائي في منحة لما بعد الدكتوراه لمدة ثلاثة سنوات أخرى، ولكنني اعتذرت للعميد حيث يستلزم الأمر العودة إلى الوطن خلال شهر بعد المناقشة. ولكن قبل أن أغادر ليوبليانا عائدا لوطني أرسل لنا سفير مصر في بلجراد "السفير جمال منصور" – رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه وإيانا الفردوس الأعلى من الجنة- معلنا عن رغبته وقراره بالاجتماع مع مبعوثي الدكتوراه في كل يوجوسلافيا لبحث مشاكلهم. وبالرغم من أنني لم أكن أعانى من أي نوع من المشاكل مع الدراسة ولا الكلية ولا الجامعة ولكن على العكس كنت موفقا تماما وكنت أحظى بالاحترام الكامل، وبالرغم من أنني قد أنهيت دراستي وليس لدىّ حاجة إلى ذلك الاجتماع، إلا أنني قررت السفر من ليوبليانا إلى بلجراد (850 كيلومتر) لحضور ذلك الاجتماع كنوع من الاستزادة من المعرفة، ولم يكن في ذهني أية مشكلة على الإطلاق. كان طلب السفير "جمال منصور" الاجتماع بالمبعوثين وزوجاتهم وعائلاتهم، ولكنني رأيت عدم حضور زوجتي وابني الطفل وكذلك رأى أحد الزملاء الفضلاء المصريين معي في جامعة ليوبليانا، فقررنا ترك زوجتينا معا في بيتي وسافرنا إلى بلجراد واستغرقت الرحلة ثلاثة أيام. كان الاجتماع في السفارة نفسها. وجدت أكثر من 200 مبعوث ومبعوثة خلاف الزوجات والأزواج. كانت السفارة كبيرة واسعة وأنيقة.
ربما كان لسوء حظ السفير وطاقم السفارة في ذلك اليوم أن عقد الاجتماع في السفارة. لم يكن في ذهني إثارة أية مشكلة وما كنت أفكر في مشاكل. ولكنني بمجرّد أن وطأت قدماي مبنى السفارة صدمتني كميات هائلة من صناديق وزجاجات الويسكي وعبوات علب السجائر الكنت. كانت في كل المبنى. لم أدخل غرفة مكتب إلا ووجدت فيها "كراتين الويسكي وسجاير الكنت" فوق المكاتب وتحت الأرجل تحت المكاتب وعلى الدواليب وداخل الدواليب وعلى الكراسي وعلى الأرض. لقد ظننت اننى أخطأت ودخلت مصنع خمور أو خمارة. امتلأت غيظا. تذكرت موضوع خطابات طلب التنازل عن "حصة الويسكى وسجائر الكنت المدعمين" التي كنت قد نسيتها. أخذت أتفرّس وأتابع موظفي السفارة وهم مشغولون بالخمر والسجائر. تذكرت أنّ ابني "إسلام" ولد في المركز الاكلينيكى في ليوبليانا وقبل أن تخرج أمه من المستشفى وهى تحمله كان في يدي شهادة ميلاده من المستشفى وجنسيته السلوفانية، وأنني منذ ستة شهور وأنا أرسل كل أسبوع خطابا إلى السفارة في طلب شهادة ميلاد مصرية له دون جدوى. تذكرت أن لي مستحقات مالية بما فيها تكاليف طباعة رسالة الدكتوراه التي كان ينبغي أن يرسلوها لي منذ ثلاثة أشهر ولم يقوموا بذلك برغم المطالبات الأسبوعية. تداعت كل تلك المشاكل واختلطت بمنظر صناديق الخمر والدخان وحركات وتحركات الموظفين والعمال الزائغة غير الراكزة وغير المستقرة وغير الهادفة. فكرت أن أناقشها مع أيّ من الزملاء المجتمعين، ولكنني تذكرت خطاباتهم في طلب التنازل عن "حصة" الخمر والدخان فأحجمت. جعلت أقلب نظري بينهم، ترى أيّهم كان قد أرسل لي خطابا وأيهم لم يرسل! أحجمت حتى عن التعارف بيني وبينهم حتى لا يتذكروا اسمي غير المقبول لديهم والذي لم "يتنازل" صاحبه لهم عن الخمر والدخان. وجدتني أسرّ في نفسي تلك المشاكل وذلك القرف دون حتى أن أفضفض مع أحد إلى أن أزف اللقاء مع سعادة السفير.
كان اللقاء في قاعة كبيرة استوعبت أكثر من 300 شخص فضلا عن طاقم السفارة والسفير. كنت أجلس في آخر صف من الخلف ولا أعرف لماذا؟! ربما لكي أرى كل المجتمعين دون أن يفوتني أحد. وربما لأكون بعيدا عن طاقم السفارة بخمورهم المقرفة. بدأ السفير بالترحيب بضيوف السفارة و"أبناء السفارة" ثم استعراض الانجازات التي تحققها السفارة للمبعوثين من "أبنائها" و"التسهيلات" التي تمنحها لهم فيما يخص دراستهم، ثم لا أعرف كيف ملص من تلك الانجازات المزعومة ليتكلم عن مشكلة اقتحام القوت المصرية لمطار "لارناكا" بقبرص. ]فقد كانت مجموعة من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1978 قد قامت باختطاف طائرة مصرية من طراز dc-8 على متنها16 شخصا من المصريين والعرب، وهبطت الطائرة في مطار لارناكا الدولي في قبرص. كان المختطفون قبل ذلك قد قتلوا الكاتب القصصي المصري يوسف السباعي وقد كان صديقا مقربا للرئيس السادات. قام السادت بالاتصال بالرئيس القبرصي "سبيروس كبريانو" وطلب منه إنقاذ الرهائن وتسليم الخاطفين. بدأ الرئيس القبرصي في تنفيذ الطلب والإشراف بنفسه على ذلك، ولكن تأخرت العملية بواسطة القبارصة. أرسل السادات وحدة من القوات الخاصة على متن طائرة من طراز c-130 إلى قبرص مع رسالة مقتضبة للرئيس القبرصي لا تزيد عن عبارة "الرجال في الطريق لإنقاذ الرهائن"، دون أن يوضح له إن كانوا قادمين بحرا أو جوا. وما إن وصلت الطائرة التي تحمل القوات الخاصة إلا وبدأت الوحدة المصرية بالهجوم. أطلق رجال الأمن القبارصة إنذارا شفهيا للقوة الخاصة للتوقف، وتبادل الطرفان إطلاق النار. قام القبارصة باستهداف الطائرة المصرية بقذيفة 106 مم في مقدمتها فقتلت أفراد طاقم الطائرة، واستمر تبادل إطلاق النار. أسفرت العملية عن مقتل 12 من أفراد الوحدة الخاصة فضلا عن أفراد طاقم الطائرة وإصابة 15 بجروح خطيرة. وفى خضمّ العملية الرعناء استسلم خاطفو الطائرة وتم تسليمهم لاحقا للقاهرة، حيث حكم عليهم بالإعدام، ثم خفف الحكم بعد ذلك. وكان جراء ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين قبرص والقاهرة حتى اغتيال السادات عام 1981، ثم عادت العلاقات مرة أخرى[. أخذ السيد السفير في شرح العملية- بالطبع من وجهة نظر الدبلوماسية المصرية- وأخذ يعيد ويزيد في الشرح ويثير شهوة الفضول لدى المجتمعين ويستعصر الأسئلة من ألسنتهم، فالدبلوماسيون عندما يريدون فإنهم في الكلام يسهبون وعندما لا يريدون فإنهم يحجمون. وهم أيضا مدربون على الإكثار من الكلام دون أن يقولون!
استغرق الكلام والإعادة والاستزادة والأخذ والعطاء في قضية قبرص نحو نصف ساعة. وجدت السفير مندمجا ومنسجما بتلك الثرثرة مع المبعوثين والوقت يمضى دون أن ندخل في موضوع المشاكل وتذليل العقبات التي من أجلها دعينا فرفعت يدي قائلا بصوت جهوري:
"سعادة السفير"
رمقني بنظرة ديبلوماسية لا تحمل أي معنى ولا تنم عن أي دلالة ومشيرا بيده إلى سامحا بالكلام قائلا:
"أيوه يا ابني"
قلت له:
"سعادتك قد أفدتنا عن موضوع عملية مطار لارناكا وأطلعتنا على آخر أخباره ومستجداته التي لم نكن نعرف حقائقها، ونحن نشكركم على كل تلك التفصيلات، وأود أن أحدثكم في موضوع مهم آخر فهل تسمح سعادة السفير؟"
ويبدو أنه قد أخذه الفضول حول الموضوع الآخر ظنا منه أنه موضوع سياسي فأشار لي بالكلام بيده ثم عقد كفيه منتظرا الدخول في الموضوع المهم. قلت له:
"سعادة السفير من لحظة دخولي مبنى ومكاتب السفارة لم يلفت انتباهي شيء فيها إلا صناديق الويسكي وعبوات سجاير الكنت".
كان السفير رحمه الله رجل بهيّ الطلعة جميل الملامح أحمر الوجه في لون حبات الرمان، وكان رجلا فارع الطول قوى الجسم بالغ التهذيب. كان من أعضاء "مجلس قيادة الثورة" وكان من "الضباط الأحرار"، ويبدو أن العمل الديبلوماسى قد أضاف إلى أخلاقه المهذبة نوعا من الصبر وقدرة على إخفاء المشاعر. ومع ذلك فانه قبل أن أكمل كلامي كان وجهه قد أصبح في لون الكبد الأحمر. أومأ برأسه مستسلما سامحا لي بالاسترسال في الكلام فاستأنفت:
"سعادة السفير، إنّ كثير من الزملاء والزميلات الدارسين كانوا يرسلون لي في طلب التنازل عن حصتي في الويسكي والكنت في الكريسماس لإهدائهما إلى مشرفيهم، وفهمت أنّ السفارة المصرية تخصص لهم جزءا من حصتها المدعمة في ديسمبر من كل عام. ما هو موضوع الخمر والسجائر المدعمة وكيف تسمح دولة مصر الأزهر بتداول وتعاطي وإهداء الخمور والسجائر"؟!
كان كلامي باندفاع متلاحق وبصوت هادر زائر حتى لا يقاطعني السفير ويقطع علىّ الاسترسال.
فكّ الرجل يديه المنعقدتين وفرد كفيه يمينا ويسارا مبديا الدهشة ومحاولا الدفاع قائلا في براءة:
"أنا يا بني لا أشربها لا أنا ولا أولادي، ولكن عندما يأتيني ضيف أجنبيّ ماذا أقدم له؟ هل أقدم له قمر الدين؟"
هنا أثارني رده البريء وبخاصة أنّ عمّال السفارة كانوا يمرّون علينا في تلك اللحظات ويوزعون علينا زجاجات قمر الدين ويفتحونها لنا! فقلت له غاضبا وثائرا كالمدفع:
" وما له قمر الدين يا سعادة السفير، هل هو مشروب العيال الصغيرة؟"
حاول السفير الرّد والتعليق وهمّ بالكلام ولكنني أردفت:
"لماذا لا تقدم لهم شايا أو مياه غازية؟ انهم يعرفون جيدا أنّ الخمر محرّم لدينا وأن تقديمه من قبلنا محرّم أيضا، إنهم يدركون ذلك أكثر من كثير منا للأسف، لماذا لا تقدم لهم عناب أو تمرهندى؟ على الأقل سيعلمون أننا نحترم عقيدتنا وديانتنا"
حاول الكلام ولكنني كنت مسترسلا وهادرا مثل الشلال قائلا:
"إذا كانت السفارة تقدم الخمر لضيوفها ودارسوا الدكتوراه يقدمون الخمر لأساتذتهم فإنهم إنما يحطّون من شأن أنفسهم ودولتهم ومجتمعهم، انك تعرف يا سعادة السفير أنّ بين كل خمارة وخمارة محل خمر بطول تلك البلاد وعرضها. إنهم لا ينقصهم الخمر ولا الكنت، ولكنهم يسعدون بتنازلنا وبرضوخنا لمنهجهم وملتهم وبصدّنا عن منهجنا"
هنا لم تنفع السفير ديبلوماسيته وخرج عن صبره وازداد احمرار وجهه فأشار إلىّ لأتوقف عن الكلام. صمت برهة، ثم وجّه نظرات نارية إلى سكرتير أوّل السفارة الذي كان جالسا خلفه قائلا مؤنبا بصوت عال:
"ما هو موضوع حصة السفارة التي تعطونها للطلبة الدارسين في ديسمبر كل سنة؟!"
امتقع وجه سكرتير أول السفارة ووقف ليرد بصوت مرتعش وقلب منتفض قائلا:
"سعادة السفير نحن نحاول أن نكرم أبناء السفارة ونخصص لهم جزءا من حصة السفارة في الكريسماس ليهدوها إلى مشرفيهم"!
هنا انفجرت راعدا موجها كلامي إلى سكرتير أول السفارة قائلا:
"يا أخي لكي تكرم أبناء السفارة اعمل ما عليك أولا قبل أن تفكر في عمل ما ليس عليك"
ثم وجهت كلامي للسفير:
"لقد أنجبت ابنا منذ ستة أشهر وكنت أرسل للسادة موظفي السفارة أسبوعيا طالبا استخراج شهادة ميلاد مصرية دون جدوى"
ثم وجهت نظري نحو المستشار الثقافي موجها كلامي للسفير:
"ويماطل السيد المستشار الثقافي في صرف مستحقاتي في تكاليف طباعة الرسالة منذ ثلاثة أشهر بالرغم من ارسالى الخطابات المتتالية والبرقيات التي صورها في حوزتي، وأنا على وشك العودة إلى الوطن دون أن أتسلم تلك المستحقات"!
رمق السفير كل منهما بنظرة ساخطة ثم وجّه نظره إلى سكرتير أول السفارة قائلا:
"اعتبارا من الآن يوقف إعطاء الطلبة الدارسين أي شيء من حصة السفارة"!!!
ما إن أنهى السفير كلمته إلى سكرتير أول السفارة حتى انفجرت القاعة، والتفت الجميع إلىّ رجالا ونساء وهم على كراسيهم يشيرون إلى بأياديهم في وجهي صارخين ومولولين ومتوعّدين قائلين في نفس واحد هاتفين:
"أنت لأنك ناقشت تريد ن تخربها قبل ما تمشى؟ اقعد، أقعد، أقعد"!!!!!
طوال اللقاء كان السفير واقفا وطوال النقاش حول الخمر كنت واقفا أيضا، وعندما هاجوا وماجوا ظللت واقفا وأنا في آخر صف أجول بنظري بينهم بهدوء وسخرية ورثاء وشفقة حتى هدءوا. كل ذلك والسفير يرقب في صمت. لا أدرى أهو صمت ازدراء من رجل عسكري قديم وعضو مجلس قيادة الثورة؟ أم هو قد انكشف له المستقبل فرأى أنّ منهم ستكون النخبة، وأي نخبة! بعد أن هدأ القوم وقد كنت لا أزال واقفا وجهت كلامي للسفير بهدوء وبصوت قوى وواضح قائلا:
"سعادة السفير، أنا جئت إلى هنا منذ أقل من ثلاث سنوات، أنهيت رسالتي وناقشتها. لم أقدّم قطرة خمر واحدة، ولا حتى زجاجة خمر فارغة، بالرغم من ضغوط هائلة لكي أقدمها بمناسبة المناقشة، أنجزت رسالة دكتوراه ممتازة وحظيت بكل ما أصبو إليه كمسلم من احترام لي ولعقيدتي، وها أنذا لا ينقصني شيء، زملاء لي قضوا ثلاثة سنوات من عمرهم يستعطفون مشرفيهم لكي يحددون لهم موضوع الدكتوراه، في الوقت الذي يقدمون لهم الويسكي المدعم ويتزلجون معهم على الجليد.
سعادة السفير، أيّا كان دافعك في وقف تلك المهانة بذلك القرار فأنا أشكرك"
ثم جلست. خيّم على القاعة الصمت المطبق كصمت القبور وكأن أحدا لا يوجد فيها. استغرق الصمت عدة دقائق قبل أن يفيق السفير على ذلك الصمت فقطعه بالدخول في موضوع آخر. ظللت طوال اللقاء أتلقى نظرات نارية مختلسة من الرجال والنساء على السواء وحتى مغادرتي بلجراد عائدا إلى ليوبليانا.
بعد انتهاء اللقاء كانت الساعة قد تخطت الثالثة والنصف بعد الظهر عندما حان وقت الغذاء. دعينا إلى الغذاء في حديقة السفارة. كانت وليمة كبرى، لا أعرف هل هكذا هو دائما الطعام الديبلوماسى في السفارات المصرية أم هو نوع من الكرم الخاص لنا. كانت وليمة باهظة التكاليف، لا أعرف إن كانوا يأكلون ذلك الأكل يوميا أم خصونا نحن به في ذلك اليوم. على أية حال أنا أكره البذخ والإسراف ولا أحب طعام ذلك النوع من الولائم. كنت مستاء طوال اليوم. أنا أعرف أنّ ما يتكلف قرشا في مثل تلك الحالات يسجّلونه عشرا! ولا يعطون كل ذي حق حقه ومستحقه، وأنا مثال على ذلك. مرّ بيننا السفير ونحن نتناول الطعام ومرّ علينا طاقم السفارة دون أن يجلسوا معنا لتناول الطعام. لا أعرف هل لأنهم من جنس الدبلوماسيين لهم طعام مخصوص وهم يطعمونا طعام العامة، أم هو نوع من الترفع عن المشاركة، أم هم كانوا يمرّون للفرجة علينا. على أية حال في ذلك الزمن لم يكن في مصر وثقافتها ما يسمى بموائد الرحمن التي تقيمها الراقصات وأعضاء مجلس الشعب من الحزب الوطني وكثير من رجال الأعمال اللصوص المشبوهين. ولكنني بعد انتشار تلك الثقافة في عهد مبارك، كلما مررت على مائدة مما تسمى بموائد الرحمن في رمضان أتذكر على الفور وليمة السفارة عام 1978، لا أعرف لماذا! كان السفير وطاقم السفارة يمرّون علينا وكلما اقترب منى أحدهم يداعبني ويمازحني ويستفزني قائلا أنّ ذلك الطعام يحوى لحم الخنزير!
كنت أبتسم ولكنني عندما مرّ علىّ سكرتير أول السفارة ليمازحني بذلك المزاح الثقيل كنت أقول له "لا أستبعد" فيطأطئ رأسه!
ظلّ قرار السفير بمنع الخمر والسجائر "المدعمين" عن "أبناء السفارة" من الدارسين لمدة عامين بعد مغادرتي. قال لي ذلك أحد العائدين بالدكتوراه من هناك. ولكن تحت ضغط وإلحاح "اتحاد الدارسين المصريين في يوجوسلافيا" أعادوا تلك الحصة "المدعمة" من الويسكي والكنت لهم!!! ولكن، هل بعد تلك المواجهة التي حدثت في لقاء السفير سارعوا إلى استخراج شهادة ميلاد مصرية لابني "إسلام"؟ كلا! هل سارعوا إلى صرف مستحقاتي المالية المتأخرة؟ كلا!
كنت أرسل لهم خطابات توبيخ من ليوبليانا حتى يوم السفر. كنت أعتبر أنّ تلك المستحقات ربما ليست من رزقي وكان يكفيني توبيخهم كبيرا وصغيرا. اعتبرت أنّ تكاليف الدكتوراه التي من مستحقاتي قد أخذتها ولكنها سرقت منى وأنها لن تصيبني فهدأت نفسي. ولم أعد أطالب بها. ويبدوا أنهم كانوا يعاقبونني أو كانوا يتلاعبون بأعصابي وعواطفي، ولكنني كنت متسلحا بسلاح ذو بأس شديد وهو الصبر والإيمان بالرزق مع اللامبالاة. لقد هزمهم ذلك السلاح. فقد جاء إلىّ المستشار الثقافي مهرولا بمستحقاتي ليعطيها لي في مطار بلجراد قبل إقلاع الطائرة بخمس دقائق!!! ولكنه لم يحضر لي شهادة ميلاد لابني. لقد ظللت أكثر من عام أحاول الحصول عليها بعد عودتي إلى الوطن حتى استخرجتها من القاهرة. ولكن ما الذي ضاع منى ونقص؟ لاشيء. لا شيء مطلقا!
نعم مطلقا مطلقا!
بعد عودتي بعدة شهور اختير أحد زملائي في قسم الحشرات مستشارا ثقافيا في المجر. كان السفير "جمال منصور" سفير مصر في يوجوسلافيا مسئولا عن البعثات الدراسية في كل من المجر ورومانيا أيضا، فكان زميلي المستشار الثقافي تحت إدارة السفير جمال منصور. لما تعارفا وعلم السفير أنّ ذلك المستشار الثقافي من قسم الحشرات الاقتصادية بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية تكلم معه بخصوص تلك المواجهة، ولكنّ زميلي لم يذكر لي تفصيلات ذلك الحديث وأنا لم أسأل عن تلك التفصيلات حتى الآن!
أخي الكريم، إن أمّتنا نكبت بزعاماتها، ولا أعرف أمّة أكبر وأشدّ نكبة بزعاماتها من أمتنا. لقد اطلعت في سويعات قليلة ومن اللحظة الأولى على البذخ والترف والسفه والإسراف والتبذير والانحراف الذي تمارسه سفارة دولة فقيرة كانت وقتها خارجة لتوّها من حرب استنزفت حتى رغيف الخبز من أيدي الأطفال. اننى أجزم أنّ كل سفارات مصر على تلك الحال. وأكاد أجزم أن كل سفارات كل الدول العربية المسلمة على تلك الشاكلة. إن شكوى أي مصري في خارج وطنه تكاد تكون محصورة في إهمال السفارات والقنصليات لمصالح المواطن المصري. لك أن تتخيّل أنّ دولة مسلمة تحمل لواء الإسلام وتحتضن الأزهر الشريف وزادت عن حياضه وهزمت التتار والصليبيين تنفق جزءا كبيرا من ميزانيتها لشراء وتقديم الخمور والسجاير في السفارات، وما خفي كان أعظم! هل تعتقد أن كل تلك الخمور التي وصفتها لك هي للتقديم والشرب؟ كلا. إنها للتجارة و"البيزنيس". إنّ العيون الزائغة والحركات غير الراكزة التي وصفتها لك إنما هي لهؤلاء الموظفين الدبلوماسيين الذين يقضون نهارهم وليلهم وهم يفكرون ويحسبون ويجمعون ويطرحون ويضربون أرباحهم من تجارة الخمر والسجاير والعملة، وربما أيضا من تجارة الأحذية والملابس الداخلية والمواشي. إنهم كبيرهم وصغيرهم ليس لديهم مساحة وقت يوظفونه في أداء أعمالهم التي من أجلها هم في تلك الأماكن والمواقع. لذلك فان الشكاوى عامة ومزمنة. إن تلك المناصب والمواقع لا تعطى للكفاءات ولا للتخصصات ولا للمهارات، وإنما تعطى للولاءات والمحسوبيات والقرابات، إلا من رحم ربى، وقليل ما هم. إن تلك الوظائف تعطى كمكافآت ومنح ومكرمات على الولاء والخنوع والدلدلة. حتى العمال يختارون من بين الدلاديل وكتبة التقارير والبصّاصين والرّصّاصين والسقاة. إنها كلها وظائف أمنية من اختيارات واختبارات وانتقاءات أمن الدولة، حتى العمال كانت عيونهم زائغة غير مستقرة يحدثك أي منهم وكأنه من وراء حجاب. لذلك، لم يكن ذلك الشاب المستقيم الخبير المرموق "عبد الحميد شتا" ليصلح في مثل تلك الوظائف بينهم أو ليروق لهم. هل تذكرون الشاب"عبد الحميد شتا" خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟
عبد الحميد شتا خريج كلية الاقتصاد و العلوم السياسية. كان يقوم بتحضير رسالة الماجستير. عبد الحميد شتا كان يقدّره أساتذة كلية الاقتصاد و العلوم السياسية بالقاهرة و يتوقعون له مستقبلا متميزا باهرا. عبد الحميد شتا كان يكتب في أكثر من مجلة علمية منها "مجلة السياسة الدولية" و "مجلة النهضة" التي تصدرها الكلية. عبد الحميد شتا كان له العديد من الأبحاث التي قدّمها في العديد من المسابقات و نال بها "المركز الأول"، لذلك كان له امتياز المشاركة في المؤتمرات العلمية التي تعقدها الكلية. الشاب عبد الحميد شتا تقدم إلي اختبارات جهاز التمثيل التجاري للحصول علي وظيفة ملحق تجاري . عبد الحميد شتا اجتاز كل الاختبارات الشفهية و التحريرية و اختبار الهيئة بنجاح و كان ترتيبه المبدئي في تلك الاختبارات" الأول" علي 43 شاباً وصلوا إلي التصفيات النهائية. المفارقة أن الـ42 الذين نجحوا معه في الاختبارات كانوا جميعا دونه في المستوى، وكان عبد الحميد شتا يدرّس لهؤلاء الذين ينافسونه علي الوظيفة ويمدّ لهم يد المساعدة. عبد الحميد شتا لم يتم اختياره ملحقا تجاريا، فهو الوحيد الذي أخفق، و السبب أن "عبد الحميد شتا "غير لائق اجتماعيا". عبد الحميد شتا كان أبوه فلاحا مصريا بسيطا. عبد الحميد شتا وجد ترتيبه "الأول" ضمن 43 متقدم ولكن مشطوب على اسمه ومكتوب أمامه "غير لائق اجتماعيا". انتحر عبد الحميد شتا. أظلمت الدنيا في وجه عبد الحميد شتا ولم يستطع تحمل الصدمة. أجرى عبد الحميد شتا مكالمة أخيرة مع زوجة أخيه أوصى خلالها الأسرة على شقيقه الأصغر الذي يدرس الطب، ثم أغلق هاتفه المحمول، واتجه مباشرة إلى كوبري أكتوبر على نهر النيل وألقى بنفسه في اليم وسط ذهول المارة، واختفت جثة عبد الحميد شتا تحت مياه النيل إلى أن ظهرت في اليوم التالي عند القناطر الخيرية، على بعد نحو عشرين كيلومترا شمال القاهرة. أظنك عرفت الآن حيثيات الاختيار وعدم الاختيار في المناصب والوظائف.
طبعا، فعبد الحميد شتا وأمثاله بالقطع لا يعرفون كيف ينقذون امرأة مثل "تسيبى ليفنى" من الانزلاق على درج وزارة الخارجية المصرية، بل بالتأكيد أنّه وأمثاله سوف يمتنعون أصلا عن التعامل معها أو مقابلتها! أمثال عبد الحميد شتا بالتأكيد سوف يستنكرون وجود الخمر والسجائر والاتجار فيها في السفارات والملحقيات! عبد الحميد شتا؟ وأمثاله؟ يا سلام؟ نوظف عبد الحميد شتا؟ ابن الفلاح؟ لكي يقول لنا هذا حرام وهذا حلال؟ وهل يجوز ذلك؟ هل أصابنا الخبل والغباء والتخلف؟ هل نحن في حاجة إلى صداع عبد الحميد شتا أو حتى محمد هاشم وأمثالهم؟! أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون!!!!!
إن الله لا شك غاضب على المسلمين. انه غضب قديم بعدما زاغوا. انه غضب مستمر. لقد وقفت أدفع عن شرع الله أمام السفير ولم يعضدني شخص واحد، رجل كان أو امرأة! ولا حتى المتدينين المصلين، أكثر من 300 شخص لم يقف بجانبي رجل أو امرأة، كأنني خرجت لهم من بطن الأرض! انه ليس الموقف الوحيد الذي مررت به في ذلك، كلا، إنها مواقف كثيرة وان تنوعت. انه حقا لأمر عجيب! ولكنني تأقلمت عليه دون أن أبالى. لذلك ترى أن ما تسمى ب "النخبة" أو من يسمون أنفسهم ب "النخبة" يفضلونها دائما علمانية أو ليبرالية. طبعا، إنها غاية التقدم وقمة الحضارة! بركاتك يا سيدنا الشيخ!
طبعا، ألم يقرأ لسارتر وانجلز وينج وماركس ونيتشه وشكسبير وراسل وفرو يد وهيجو وتولستوي؟ ألم يتخصص في البيوتكنولوجي والهندسة النووية والجينيتيكس والالكترونيات؟ طبعا، ألا يتحدث الانجليزية باللكنة الأمريكية كأهل كاليفورنيا؟ طبعا، ألم يحصل على الدكتوراه من ويسكنسن وهارفارد وكاليفورنيا وكمبريدج والسربون وفرانكفورت وموسكو وبرلين؟ أرأيتم هؤلاء الذين ينفرون من دينهم ودين آبائهم وأجدادهم الذي ارتضاه الله لهم؟ هل الثراء والعلم وارتفاع مستوى المعيشة يخرج المسلم من إسلامه؟
ولكنني في النهاية أذكر نفسي وأذكر كل اخوانى من المسلمين الملتزمين منهم والشاردين بآيات ربنا التي أنزلها في كتابه الكريم وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله ربنا رحمة للعالمين:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"
(المائدة: 90-91)
"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشتراة له"
(سنن الترمذي)
"حرّمت الخمر قليلها وكثيرها وما أسكر من كلّ شراب"
(سنن النسائي)
وأسأل ربنا تبارك وتعالى
أن يعيد للمسلمين إسلامهم وشريعتهم
وأن يرد المسلمين إلى إسلامهم وشريعتهم
اللهم اهدنا فيمن هديت
إن الله على كل شيء قدير
محمد هاشم عبد الباري
27 من محرّم 1432 ه
22 ديسمبر 2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق