توفى إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى يوم 5 يناير نسألكم الدعاء له بالرحمه والمغفرة

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

الجزء1- الله..ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر / محمد هاشم عبد البارى

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخي الحبيب المهندس إبراهيم حسن

أخي الحبيب الأستاذ مجدي السيد

جوهرة الإسلام ابنتي الأستاذة أماني صلاح

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أشكر لكم السؤال والاتصال الذي لم ينقطع عنى في الشهور السابقة.

كنت أجاهد حتى أستطيع أن أكتب شيئا عن حرب أكتوبر في وقت ذكراها.

لم تسعفني مقدرتي في ذلك الوقت.

وصلني تساؤلا من الأخ الحبيب الأستاذ مجدي عن طريق الأستاذة أماني صلاح  يوم الثالث من أكتوبر 2012.

 أصررت على ألا أرد إلا وفى يدي مقالة تليق بذكرى الحرب.

كنت محظوظا في هذخ الحياة فأنا الذي أستمتع بلقائ طلاب الجامعة كما استمتعت من قبل بالتعامل مع تلاميذ الابتدائي وطلاب الثانوي الذين درّست لهم من قبل كما كنت أستمتع بالتعامل مع العمال والأسطوات والجنود خلال مراحل حياتي المختلفة التي انقضت.

إن البطولات العسكرية التي أبداها وسيبديها بإذن الله المصريون والفلسطينيون واللبنانيون والعراقيون والأفغان والشيشانيون وغيرهم من أمة الإسلام ما هي إلا امتداد لبطولات المسلمين من عهد النبوة.

سوف لن تنقطع بطولات المسلمين في كل ميدان وفى كل مضمار ما تمسكوا بكتاب الله وسنة نبيه وشريعته ونبذوا العقائد والمناهج المستجلبة من عند أعداء الإسلام من الشرق ومن الغرب.

جزاكم الله خيرا ومتعكم أنتم وكل من يقرأ مقالي وكل المسلمين بالصحة والعافية والعزة والكرامة.

العزة متعة والكرامة متعة وغنى النفس متعة وقوة الاستغناء متعة والإسلام متعة.

محمد هاشم عبد الباري 

 

 

 

----- Forwarded Message -----
From: Amany Salah <amanysalah239@gmail.com>
To: 'magdy saeed' <smagdyhom2@hotmail.com>
Cc: 'Mohmed Hashem Abd_Elbary' <hashem_200374@yahoo.com>
Sent: Wednesday, October 3, 2012 7:58 PM
Subject: RE: تساؤل

 

الأخ الفاضل / الأستاذ مجدي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً على سؤالكم الكريم عن والدنا الفاضل / الأستاذ الدكتور محمد هاشم وأبشرك يا أخي الكريم أن والدنا وأستاذنا الفاضل والحمد لله بخير وبالصدفة كان هناك اتصالاً بينه وبين زوجي إبراهيم بالأمس ولكنه مشغول في الكلية بين طلابه المحظوظين

ولكننا نفتقد رسائله بشدة وننتظر جميعاً عودته خاصة وذكرى 6 أكتوبر على الأبواب ونتشوق إلى ذكريات البطولة التي يسردها لنا فيعود بنا إلى أجواء العزة والنصر والكرامة وأضم صوتي إلى صوتك وصوت الكثيرين وننتظر ولو سطراً واحدا من خبرات وإبداعات أستاذنا الفذ وها أنا ذا أرسل لسيادته نسخة من رسالتكم وأنا أرى ابتسامته المعهودة لإلحاحي عليه في هذا الأمر .

وعلى فكرة هذا رابط مدونة الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري http://profhashem.blogspot.com/

 

وفى أمان الله ورعايته

أختكم في الله

أماني صلاح الدين

 

From: magdy saeed [mailto:smagdyhom2@hotmail.com]
Sent: 03 أكتوبر, 2012 03:16 م
To: amany salah
Subject: تساؤل

الأخت الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتساءل عن المشاركات الممتعة  للأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد الباري حيث لم نراها منذ فترة ، ولعل المانع خيرا إن شاء
  الله ويكون في صحة جيدة وأطيب حال
مجدي السيد

 

 

*******

بسم الله الرحمن الرحيم

الله.. ثم الطبيعة والحرب والنفس والنصر

الأستاذ الدكتور محمد هاشم عبد البارى

25 نوفمبر 2012م

^^^^^^^

الجزء الأول

 

ليست للحروب مواسم ولا أيام محددة ولا أعياد يعرفها الناس فى تقويماتهم ويستعدّون لها يشحذون لها أسلحتهم ويعدّون لها ذخائرهم ويأخذون فيها حذرهم.  حتى فى الشهر الحرام "المحرّم" لن يدعك العدو فيه فى سلام.

 "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"

(سورة البقرة: آية 217)

 

   لن يدعك العدو فيه آمنا فعليك القتال فيه.  وحتى فى أيام أعيادكم تتفاجأ بالحرب دون أن تطرق عليك الباب.  وكم مارس العدو الصهيونى اللعين عدوانه على غزة وعلى لبنان وكم مارس العدو الأمريكى النجس عدوانه وحربه وغزوه على أفغانستان والعراق وباكستان فى شهر الصيام وصبّ على المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ ودمر البيوت والحجر والشجر وحرّق البساتين والمحاصيل.  حتى رؤسائنا الخائنون لله ولرسوله والخائنون لشعوبهم ولأماناتهم لا يرعوْن حتى أعياد شعوبهم المسلمة فيقتّلونها ويدمّرونها بأسلحتهم التى اشترتها حصائل ضرائبهم!

لا ينبغى أن يفوتنا أنّ غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وأنّ جلّ حروب المسلمين كانت فى شهر رمضان، وليست حرب العاشر من رمضان التى نصرنا الله فيها على عدونا عنا ببعيد.  لا ينبغي أن يغيب عن خاطرنا أنّ العدو الصهيونى لن يتركنا فى سلام طالما هو جاثم على أرضنا ولن تنتهى الحروب بيننا وبينه حتى يخرج بكامله من أرض المسلمين.  انّ العدو الصهيونى يعتنق عقيدة عسكرية عدوانية استيطانية شيطانية من أهم مفرداتها أنّ الهجوم خير وسيلة للدفاع، ونقل المعارك والحروب خارج الأراضى التى اغتصبها واحتلها، والحروب الاجهاضية المتواترة، والحروب الاستباقية.  كنْ على حذر وانفض عن فمك التثاؤب وعن كاهلك استمراء الاسترخاء.  الاسترخاء العسكرى والاسترخاء الصحى والاسترخاء الاقتصادى والاسترخاء الصناعى والاسترخاء الزراعى والاسترخاء التعليمى والاسترخاء الانتاجى والاسترخاء العلمى والاسترخاء التكنولوجى، وأهمها وأولها الاسترخاء العقائدى الذى يروّج له المرجفون من أبناء الأمة المسلمة والذين استطاع العدو أن يصدّهم ويردّهم عن عقيدتهم وزيّن لهم العدو الشيطانى نشر عدواهم لغيرهم من أبناء الأمة وبالرغم من كل ذلك فلن يرضى عنهم.

 

لقد اشتعلت حرب الاستنزاف (أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها العدو الصهيونى) بيننا وبين العدو على ضفتي قناةالسويس بعد هزيمتنا فى الخامس من يونيو 1967.  اندلعت تلك الحرب عندما تقدمت المدرعات الصهيونية صوب مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها يوم 1 يوليو، 1967.  تصدت لها قوة من الصاعقة المصرية بنجاح فى "معركة رأس العش".  تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية خلال الأشهر التالية بعد رفض إسرائيل لقرار مجلس الأمن 242 الذى دعى الى انسحاب العدو الصهيونى من "اراض عربية" والتي احتلها عقب هزيمتنا المخزية خلال حرب يونيو1967.

استمرت الحرب لنحو ثلاث سنوات (1يوليو 1767 - 7 أغسطس 1970) استهدفت خلالها غارات سلاح جوّ العدو المدنيين المصريين التى طالت قرى الدلتا وحتى جامعة القاهرة باستخدام طائرات "الفانتوم" أحدث ما أنتجته الترسانة العسكرية الأمريكية فى ذلك الوقت.  استعانت قواتنا فى المقابل بصواريخ الدفاع الجوي "سام" السوفيتية الصنع لتأمين العمق المصري.  شهدت حرب الاستنزاف معارك محدودة بين إسرائيل وكل من سوريا والأردن والاستشهاديين الفلسطينيين.  انتهت مواجهات حرب الاستنزاف  في 7 أغسطس1970 بقرار كل من الرئيس عبد الناصر والملك حسين ملك الأردن قبول مبادرة "روجرز" مبعوث الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار.  لم تؤدّ حرب الاستنزاف إلى أية  تغييرات في خطوط وقف إطلاق النار.  لم تنجح المساعي الاقليمية ولا الدولية التى هدفت الى التوصل إلى تسوية سلمية بسبب صلف وتعنت العدو.  سادت بيننا وبين العدو حالة من الركود القتالى كانت تسمى سياسيا "اللا سلم واللا حرب" والتي أدت بدورها إلى نشوب حرب أكتوبربعد 3 سنوات.

كان لسلاح مدفعية الميدان دور عظيم سواء فى حرب الاستنزاف أو فى حرب أكتوبر 1973 التى اقتحمت فيها قواتنا قناة السويس ودمرت خط بارليف وهزمت فيها العدو الصهيونى وكبدته خسائر فادحة غير مسبوقة فى الأرواح والسلاح والعتاد.  فى أحد الليالى حالكة الظلام فى شهر سبتمبر 1969 كانت هناك عملية ليلية ستقوم بها بعض قواتنا عبر القناة فى منطقة "أبو سلطان" تطلبت المعونة باضاءة أرض العملية بالقنابل المضيئة بالمدفعية.  تلقيت أمرا من قائد الكتيبة بالذهاب الى منطقة العملية بأحد المدافع لاضاءة أرض المعركة.  أخذت شاحنة لجرّ المدفع وأخذت كمية الطلقات المضيئة اللازمة وطاقم المدفع من الرجال وتوكلت على الله الى موقع العملية.  أنجزت العمل وتمت العملية بنجاح بتوفيق الله.  استمرت المعركة من التاسعة مساء حتى الواحدة بعد منتصف الليل تقريبا.  قفلت راجعا بالمدفع والطاقم، ولكن خلال العودة هبط الضباب فى المنطقة.  كنا نسير بالمدفع والضباب يهبط ويتكاثف ويشتد حتى انعدمت الرؤية بكشاف الشاحنة تماما ولو حتى لربع المتر.  أصبحنا لا نرى الطريق ولا نرى بعضنا البعض ولا نرى حتى أيدينا ونحن مستمرون فى الطريق.  نفذ الوقود من الشاحنة التى تجرّ المدفع دون أن نصل الى موقع الكتيبة.  توقفنا فى مكاننا بعد نفاذ الوقود حتى الفجر.  تنفس الصبح وبدا ضوءه وبدأ الضباب فى الانقشاع رويدا رويدا فكانت المفاجأة.  لقد اكتشفنا أننا على بعد 30 مترا فقط من موقع كتيبتنا وأننا كنا نسير بجوار موقع الكتيبة فى دائرة حتى نفذ الوقود!!!

 

مدفع الميدان 130 مم مجرورا بالشاحنة.  كان سلاحي في الحرب.  صبّ جام غضبه على العدو في حرب الاستنزاف وحرب العاشر من رمضان-أكتوبر 1973

 

لا أنسى حتى تلك اللحظة ذلك الموقف.  لقد قهرتنى قوة الطبيعة وبهرتنى قوة الطبيعة وفتنتنى قوة الطبيعة.  انّ قوة الطبيعة يتلاشى أمامها نيران المدافع ونيران الصواريخ وقوى القنابل والقوى النووية.  لا يجدى العلم ولا التكنولوجيا مع قوة الطبيعة شيئا.  عندما انقضّ تسونامى على جنوب شرق آسيا تذكرت الضباب والمدفع.  عندما اجتاح اعصار "كاترينا" ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة ودمرها وأغرقها وأذلّ أهلها وحكومتها وبنتاجونها ومخابراتها تذكرت الضباب والمدفع.  تذكرت الضباب والمدفع منذ أسبوعين عندما انقضّ اعصار "ساندى" على كاليفورنيا ونيويورك.  انقضّ الاعصار على الساحل الشرقى لأمريكا دون أن يضع فى اعتباره صواريخها النووية ولم يضع اعتبارا حتى للأمم المتحدة فى نيويورك ولا لقوة أمريكا وجبروتها.  لقد التزموا الجحور كالجرذان.  لم يكن اعصار "ساندى" ولا اعصار "كاترينا" ولا غيرهما من الأعاصير مفاجئون للأمريكان بل كانوا ينتظرونهم ويعدّون العدة لهم.  ومع ذلك فاقت خسائر أمريكا من اعصار "ساندى" الخمسين مليارا من الدلارات، وهكذا كانت كذلك خسائر اعصار "كاترينا" عام 2005.  لا معارك ولا حرب ولا صواريخ ولا قنابل ولا بمب.  فقط أمر الله الريح فدمرت وأحرقت واقتلعت وجرفت وأغرقت وقتلت الانس والزرع والضرع وجعلت عاليها أسفلها.

"مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ"

(سورة ابراهيم: آية 18)

 

انّ الطبيعة هى الأعاصير والريح والبرق والرعد والمطر والسيل والجليد.  انها الحر والبرد والصقيع والضباب والتراب والزوابع والرطوبة والجفاف والنار.  انها الصحارى والجبال والأنهار والبحار والمحيطات.  انها البحيرات والمستنقعات والملاحات والأحراش والغابات.  من يزعم أنه قادر على قوى الطبيعة؟!

انّ الطبيعيون من العلماء والدارونيون يزعمون أنّ الطبيعة سلّحت والطبيعة كيّفت والطبيعة طوّرت والطبيعة زوّدت والطبيعة منحت الكائنات الحية كذا وكذا.  هل تستطيع الطبيعة أن تفعل أى من ذلك؟ لقد خلق الله الكائنات وقدّر لها أعضائها ووظائفها التى تتناسب مع البيئة التى تعيش فيها فى الطبيعة.  ولكن هل تفعل الطبيعة أفاعيلها التى نعرفها من تلقاء نفسها؟  وهل خلقت الطبيعة نفسها؟ أليس للطبيعة قوانين وحسابات؟  من ذا الذى خلق الطبيعة ومن ذا الذى وضع لها قوانينها؟ أليس هو الله الواحد القهار؟

انّ الطبيعة التى دمرت قوى أحزاب الكفر فى مواجهة النبى والذين معه فى غزوة الخندق وهزمتهم وبددت قواهم بقوة الريح التى اقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وحرمتهم من الطعام وأذاقتهم الجوع هى الطبيعة نفسها التى أنزلت المطر على النبى والذين معه رضوان الله عليهم فى غزوة بدر.  أنعشهم وطهّرهم وبلل الرمال تحت أرجلهم فثبت أقدامهم ومكّنهم من قتل المشركين وهزيمتهم. ألم يكن فعل الطبيعة انتقائيا فى الغزوتين؟  بلى، كان فعل الطبيعة انتقائيا جدا!  ولكن هل تعى الطبيعة وتدرك وتتصرف من تلقاء نفسها؟  كلا انه هو الله تبارك وتعالى خالق الكون والطبيعة والانس والجن والطير والدواب والشجر.  انه عزّ وجلّ اذا أراد شيئا فانما يقول له كن فيكون.  انّ الله سبحانه هو الذى خلق النار وهو الذى أمر النار ليس أن تفقد طبيعتها الحارقة فحسب بل أن تكون بردا وسلاما على خليله ابراهيم عليه السلام.

"قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ"

(سورة الأنبياء: آية 69)

 

"بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ"

(سورة البقرة: آية 117)

 

 انه هو الله الذى أرسل المطر لينعش النبى وأصحابه فى غزوة بدر ويطهّرهم ويبلل الرمال تحت أقدامهم فيثبتها فى القتال!  انّ الله لم يرسل على المؤمنين المطر المنعش فحسب بل أرسل عليهم النعاس قبل المطر لينالوا قسطا من الراحة ولتطمئن قلوبهم وليجددوا نشاطهم أثناء القتال!

"إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ"

(سورة الأنفال: آية 11)

 

من تفسير ابن كثير لتلك الآية الكريمة قال:

"يذكّرهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أمانا أمّنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم.

 

وقال الحافظ أبو يعلى:

 حدثنا زهير حدثنا ابن مهدي عن شعبة عن أبي إسحق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي الله عنه قال:

 ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح.

 

وقال سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:

 النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان.

 

 وقال قتادة:

 النعاس في الرأس، والنوم في القلب.  قلت أمّا النعاس فقد أصابهم يوم أحد وأمر ذلك مشهور جدا، وأما الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدر، وهي دالة على وقوع ذلك أيضا، وكأن ذلك كائن للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمته عليهم وكما قال تعالى "فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا".

 ولهذا جاء في الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا كان يوم بدر في العريش (خيمة القيادة) مع الصديق رضي الله عنه وهما يدعوان أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم ثم استيقظ مبتسما فقال

 "أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع"

 ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى

 "سيهزم الجمع ويولون الدبر".

 

 وقوله "وينزل عليكم من السماء ماء" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:

 نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة دعصة (متجمعة يسهل المشى عليها)، وأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلّون مجنبين؟  (عندما أصابهم النعاس استيقظوا منه وهم جنبا).  فأمطر الله عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجس الشيطان، وثبّت الرمل حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمدّ الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة مُجَنِّبَةٍ (متباعدة أو متفرقة) وميكائيل في خمسمائة مجنّبة.

 

والمعروف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده فتقدم إليه الحبّاب بن المنذر فقال:

 يا رسول الله، هذا المنزل الذي نزلته منزلة أنزلك الله إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال

 "بل منزل نزلته للحرب والمكيدة"

 فقال:

 يا رسول الله إنّ هذا ليس بمنزل، ولكن سرْ بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغوّر ما وراءه (نذهبه فى الأرض) من القلب ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل كذلك.

وأحسن ما في هذا ما رواه الإمام محمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي رحمه الله: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال:

 بعث الله السماء (أنزل من السماء ماء) وكان الوادي دهسا (رمال تغوص فيها الأرجل) فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبّد لهم الأرض (تداخلت الأرض ولزقت بعضها ببعض) ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه.

 

وقوله "ليطهّركم به" أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر، "ويذهب عنكم رجز الشيطان" أي من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن".

 

أى انتقاء ذلك فى أفعال الطبيعة؟  انه هو الله الذى أمر الريح فقلبت قدور المشركين فى غزوة الأحزاب وحرمتهم من مؤنهم واقتلعت خيامهم من دون المسلمين وهم على بعد أمتار منهم، أى انتقاء ذلك أيتها الطبيعة؟!!!  انّ الله هو الذى خلق الطبيعة وأعطاها قوانينها وهو وحده الذي يغيّر قوانينها متى شاء.

تسونامى اندونيسيا عام 2004 أودى بحياة مئات الألوف من الأنفس وسوّى عشرات الألوف من المنازل والمبانى بالأرض.  لقد عرفنا ورأينا كيف كانت قوة تسونامى.  وسط فضلات المبانى التى دمرهها ومحاها تسونامى لم يبق الا بيت الله، ذلك المسجد الذى ظل صامد ونجا من تسونامى.  انتقاء ربانى لفعل قوى الطبيعة!!!

 

قدرت الطاقة الكلية المنطلقة من زلزال اليابان فى مارس 2011 بأنها تعادل 7و6 مليار طن من قنابل ت. ن. ت. شديدة الأنفجار، أو بنحو 1000 مرة قدر جميع الأسلحة النووية التى على الأرض مجتمعة.

ألم تكن الصيحة التى أرسلها الله تبارك وتعالى على قوم شعيب عليه السلام انتقائية؟  لقد كان الانتقاء ربانيا.  انّ الصيحة التى أخذت الذين كفروا بشعيب ورسالته وشريعته لم تكن الا رجفة.  صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فرجفت بهم الأرض فخرجت أرواحهم من أجسادهم.

لقد رجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إخراج نبيهم منها. لما أساءوا الأدب في مقالتهم وفى اعلامهم على نبيهم وشريعة ربهم أرسل الله عليهم الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم وتركتهم هامدين لاصقين بالأرض لا حراك بهم.  لقد رجفت بهم الأرض وحدهم دون شعيب والذين آمنوا معه.  قال ابن عباس: "ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكهم الله بالصيحة، غير أنّ قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم".  لما نادى شعيب ونادى صالح عليهما السلام بوحدانية الله وتطبيق شريعته كان أقوامهم الذين كذّبوهما يتهمونهما "بشعبنة" القوم و"بصلحنة" القوم!  ألا يخشى المرجفون أن تأخذهم صيحة من ربهم؟  انّ الصيحة قد تكون جماعية وقد تكون فردية فهى انتقائية.  انّ الصيحة فى عصرنا الذى نعيشه قد تكون مرضا عضالا وقد تكون فضيحة مدوية يتمنى صاحبها معها لو تبتلعه الأرض وقد تكون موتا مفاجئا وهو على الكفر بشريعة الله ومنهجه.

 

"وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ"

(سورة هود: آية 94)

 

لقد تنوّع عقاب ربنا لمن كفر بشريعته وقاوم ارادته وناصب أنبيائه وأتباعهم العداء بقوى الطبيعة التى خلقاها وأعطاها قوانينها.  منهم الذين أرسل الله عليهم حجارة من طين منضود (متتابع  ومضموم بعضه إلى بعض للعذاب) وهم قوم لوط وكان الطين المتكتل انتقائيا فى فعله.  منهم مَن أخذته الصيحة وهم قوم صالح وقوم شعيب وكانت الصيحة انتقائية فى انتقامها.  منهم مَن خسف الله به الأرض كقارون وكان الخسف انتقائا فلم تخسف الأرض الا بدار قارون.  منهم مَن أغرقه الله وهم قومُ نوح وفرعونُ وقومُه.  انشق البحر بعصا موسى بقدرة الله.  عبر موسى عليه السلام ببنى اسرائيل آمنا ثم انطبق البحر على فرعون وجنوده فأغرقهم.  منهم قوم نوح أغرقهم الطوفان بموج كالجبال.  كان الموج الرهيب حنونا على سفينة نوح الخشبية البدائية التى تحمله والذين آمنوا معه وأزواج الكائنات.  لم يكن الله ليهلك هؤلاء بذنوب غيرهم فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق.  لكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في نِعَم ربهم وعبادتهم غيره من الأصنام والأيديولوجيات والدساتير والعقائد الفاسدة والهوى ومحاربتهم لتطبيق شريعته.

 

"فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"

(سورة العنكبوت: آية 40)

 

لا أنسى أبدأ جمال الطقس وصفاء السماء وعليل النسائم وسطوع الشمس ونحن البادئين فى القتال يوم العاشر من رمضان.  قبل بدء إطلاق النار وقبل أن نعرف ما نحن صانعوه فى ذلك اليوم كنا نغبط أنفسنا على حلاوة الجو وكان حديثنا عن جمال الطقس الذى كان ينبىء بصيام مريح!  لقد كان الطقس ملفتا جدا لأنظارنا فى الجبهة!  لقد أعاننا الطقس الجميل بالفعل على جهودنا ونحن صائمون مثلما أعاننا التدريب الشاق المستمر قبيل الحرب.  حتى أننا لم نكن نشعر لا بأننا فى حرب ولا بأننا صائمون.  انه يوم لا ينسى.  لقد استمر الطقس فى حلاوته طوال أيام الحرب.  أليس ذلك بيد الله ومن فضل الله أيها المسلمون؟ 

 

والى لقاء في الجزء التالي

 

محمد هاشم عبد البارى

25 نوفمبر 2012

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق